للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاعْمُرْ. وَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنْصِفْ وَانْتَصِفْ! فَقَالَ الرَّشِيدُ: اعْدِلْ وَأَحْسِنْ.

وَقِيلَ: حَجَّ الرَّشِيدُ مَرَّةً فَدَخَلَ الْكَعْبَةَ، فَرَآهُ بَعْضُ الْحَجَبَةِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى أَصَابِعِهِ يَقُولُ: يَا مَنْ يَمْلِكُ حَوَائِجَ السَّائِلِينَ، وَيَعْلَمُ ضَمِيرَ الصَّامِتِينَ، فَإِنَّ لِكُلِّ مَسْأَلَةٍ مِنْكَ رَدًّا حَاضِرًا، وَجَوَابًا عَنِيدًا، وَلِكُلِّ صَامِتٍ مِنْكَ عِلْمٌ مُحِيطٌ، نَاطِقٌ بِمَوَاعِيدِكَ الصَّادِقَةِ، وَأَيَادِيكَ الْفَاضِلَةِ، وَرَحْمَتِكَ الْوَاسِعَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا، وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا يَا مَنْ لَا تَضُرُّهُ الذُّنُوبُ، وَلَا تَخْفَى عَلَيْهِ الْغُيُوبُ، وَلَا تَنْقُصُهُ مَغْفِرَةُ الْخَطَايَا، يَا مَنْ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ، وَسَدَّ الْهَوَاءَ بِالسَّمَاءِ، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَخِرْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي، يَا مَنْ خَشَعَتْ لَهُ الْأَصْوَاتُ، بِأَنْوَاعِ اللُّغَاتِ، يَسْأَلُونَهُ الْحَاجَاتِ، إِنَّ مِنْ حَاجَتِي إِلَيْكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِذَا تَوَفَّيْتَنِي وَصُيِّرْتُ فِي لَحْدِي، وَتَفَرَّقَ عَنِّي أَهْلِي وَوَلَدِي، اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَفْضُلُ كُلَّ حَمْدٍ كَفَضْلِكَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، صَلَاةً تَكُونُ لَهُ رِضًى، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً تَكُونُ لَهُ ذُخْرًا، وَاجْزِهِ عَنَّا الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ، وَتَوَفَّنَا شُهَدَاءَ، وَاجْعَلْنَا سُعَدَاءَ مَرْزُوقِينَ، وَلَا تَجْعَلْنَا أَشْقِيَاءَ مَحْرُومِينَ.

وَقِيلَ: دَخَلَ ابْنُ السَّمَّاكِ عَلَى الرَّشِيدِ، فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهُ إِذْ طَلَبَ مَاءً، فَلَمَّا أَرَادَ شُرْبَهُ قَالَ لَهُ ابْنُ السَّمَّاكِ: مَهْلًا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ مُنِعْتَ هَذِهِ الشَّرْبَةَ، بِكَمْ كُنْتَ تَشْتَرِيهَا؟ قَالَ: بِنِصْفِ مُلْكِي. قَالَ: اشْرَبْ. فَلَمَّا شَرِبَ قَالَ: أَسْأَلُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ مُنِعْتَ خُرُوجَهَا مِنْ بَدَنِكَ، بِمَاذَا كُنْتَ تَشْتَرِيهَا؟ قَالَ: بِجَمِيعِ مُلْكِي. قَالَ: إِنَّ مُلْكًا لَا يُسَاوِي شَرْبَةَ مَاءٍ، (وَخُرُوجَ بَوْلَةٍ - لَجَدِيرٌ) أَنْ لَا يُنَافَسَ فِيهِ! فَبَكَى الرَّشِيدُ.

وَقِيلَ: كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَقُولُ: مَا مِنْ نَفْسٍ أَشَدَّ عَلِيَّ مَوْتًا مِنْ هَارُونَ الرَّشِيدِ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ اللَّهَ زَادَ مِنْ عُمْرِي فِي عُمْرِهِ. فَعَظُمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا مَاتَ وَظَهَرَتِ الْفِتَنُ، وَكَانَ مِنَ الْمَأْمُونِ مَا حَمَلَ النَّاسَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ - قَالُوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>