للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْخُ أَعْلَمُ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَنْصُورِ الْبَغْدَادِيُّ: لَمَّا حَبَسَ الرَّشِيدُ أَبَا الْعَتَاهِيَةِ جَعَلَ عَلَيْهِ عَيْنًا يَأْتِيهِ بِمَا يَقُولُ، فَرَآهُ يَوْمًا قَدْ كَتَبَ عَلَى الْحَائِطِ:

أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الظُّلْمَ لُومُ ... وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

إِلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي ... وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ

فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ الرَّشِيدُ، فَبَكَى، وَأَحْضَرَهُ وَاسْتَحَلَّهُ، وَأَعْطَاهُ أَلْفَ دِينَارٍ.

(وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: صَنَعَ الرَّشِيدُ يَوْمًا طَعَامًا كَثِيرًا، وَزَخْرَفَ مَجَالِسَهُ، وَأَحْضَرَ أَبَا الْعَتَاهِيَةِ، فَقَالَ لَهُ: صِفْ لَنَا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَعِيمِ هَذِهِ الدُّنْيَا) ، فَقَالَ:

عِشْ مَا بَدَا لَكَ سَالِمًا ... فِي ظِلِّ شَاهِقَةِ الْقُصُورِ

فَقَالَ: أَحْسَنْتَ! ثُمَّ قَالَ: مَاذَا؟ فَقَالَ:

يُسْعَى عَلَيْكَ بِمَا اشْتَهَيْتَ ... لَدَى الرَّوَاحِ وَفِي الْبُكُورِ

فَقَالَ: أَحْسَنْتَ! ثُمَّ مَاذَا؟ فَقَالَ:

فَإِذَا النُّفُوسُ تَقَعْقَعَتْ ... فِي ظِلِّ حَشْرَجَةِ الصُّدُورِ

فَهُنَاكَ تَعْلَمُ مُوقِنًا ... مَا كُنْتَ إِلَّا فِي غُرُورِ

فَبَكَى الرَّشِيدُ. وَقَالَ الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى: بَعَثَ إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لِتَسُرَّهُ، فَحَزَنْتَهُ. فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّهُ رَآنَا فِي عَمًى، فَكَرِهَ أَنْ يَزِيدَنَا.

خِلَافَةُ الْأَمِينِ

وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بُويِعَ الْأَمِينُ بِالْخِلَافَةِ فِي عَسْكَرِ الرَّشِيدِ، صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا، وَكَانَ الْمَأْمُونُ حِينَئِذٍ بِمَرْوَ، فَكَتَبَ حَمَوَيْهِ مَوْلَى الْمَهْدِيِّ، صَاحِبُ الْبَرِيدِ، إِلَى نَائِبِهِ بِبَغْدَاذَ، وَهُوَ سَلَّامٌ أَبُو مُسْلِمٍ، يُعْلِمُهُ بِوَفَاةِ الرَّشِيدِ، فَدَخَلَ أَبُو مُسْلِمٍ عَلَى الْأَمِينِ فَعَزَّاهُ، وَهَنَّأَهُ بِالْخِلَافَةِ، فَكَانَ أَوَّلَ النَّاسِ فَعَلَ ذَلِكَ.

وَكَتَبَ صَالِحُ بْنُ الرَّشِيدِ إِلَى أَخِيهِ الْأَمِينِ يُخْبِرُهُ بِوَفَاةِ الرَّشِيدِ، مَعَ رَجَاءٍ الْخَادِمِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>