وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْخَاتَمَ، وَالْقَضِيبَ، وَالْبُرْدَةَ، فَلَمَّا وَصَلَ رَجَاءٌ انْتَقَلَ الْأَمِينُ مِنْ قَصْرِهِ بِالْخُلْدِ إِلَى قَصْرِ الْخِلَافَةِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَنَعَى الرَّشِيدَ وَعَزَّى نَفْسَهُ وَالنَّاسَ، وَوَعَدَهُمُ الْخَيْرَ، وَأَمَّنَ الْأَبْيَضَ وَالْأَسْوَدَ، وَفَرَّقَ فِي الْجُنْدِ الَّذِينَ بِبَغْدَاذَ رِزْقَ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا، وَدَعَا إِلَى الْبَيْعَةِ، فَبَايَعَهُ جِلَّةُ أَهْلِ بَيْتِهِ، (وَوَكَّلَ عَمَّ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنَ الْمَنْصُورِ بِأَخْذِ الْبَيْعَةِ) عَلَى الْقُوَّادِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمَرَ السِّنْدِيَّ أَيْضًا بِمُبَايَعَةِ مَنْ عَدَاهُمْ.
ذِكْرُ ابْتِدَاءِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ابْتَدَأَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ ابْنَيِ الرَّشِيدِ.
وَكَانَ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّشِيدَ لَمَّا سَارَ نَحْوَ خُرَاسَانَ، وَأَخَذَ الْبَيْعَةَ لِلْمَأْمُونِ عَلَى جَمِيعِ مَنْ فِي عَسْكَرِهِ مِنَ الْقُوَّادِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَقَرَّ لَهُ بِجَمِيعِ مَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا، عَلَى مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ - عَظُمَ عَلَى الْأَمِينِ ذَلِكَ، ثُمَّ بَلَغَهُ شِدَّةُ مَرَضِ الرَّشِيدِ، فَأَرْسَلَ بَكْرَ بْنَ الْمُعْتَمِرِ، وَكَتَبَ مَعَهُ كُتُبًا، وَجَعَلَهَا فِي قَوَائِمِ صَنَادِيقِ الْمَطْبَخِ، وَكَانَتْ مَنْقُورَةً، وَأَلْبَسَهَا جُلُودَ الْبَقَرِ، وَقَالَ: لَا تُظْهِرَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَا غَيْرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ قُتِلْتَ، فَإِذَا مَاتَ فَادْفَعْ إِلَى كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا مَعَكَ.
فَلَمَّا قَدِمَ بَكْرُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ طُوسَ بَلَغَ هَارُونَ قُدُومُهُ، فَدَعَا بِهِ، وَسَأَلَهُ عَنْ سَبَبِ قُدُومِهِ، فَقَالَ: بَعَثَنِي الْأَمِينُ لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ. قَالَ: فَهَلْ مَعَكَ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا. فَأَمَرَ بِمَا مَعَهُ فَفُتِّشَ، فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ، فَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، فَحَبَسَهُ وَقَيَّدَهُ، ثُمَّ أَمَرَ الْفَضْلَ بْنَ الرَّبِيعِ بِتَقْرِيرِهِ، فَإِنْ أَقَرَّ وَإِلَّا ضَرَبَ عُنُقَهُ، فَقَرَّرَهُ فَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، ثُمَّ غُشِيَ عَلَى الرَّشِيدِ، فَصَاحَ النِّسَاءُ، فَأَمْسَكَ الْفَضْلُ عَنْ قَتْلِهِ، وَحَضَرَ عِنْدَ الرَّشِيدِ، فَأَفَاقَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَدْ شُغِلَ عَنْ بَكْرٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ مَاتَ.
وَكَانَ بَكْرٌ قَدْ كَتَبَ إِلَى الْفَضْلِ يَسْأَلُهُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ فِي أَمْرِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ عِنْدَهُ أَشْيَاءَ يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلِهَا، فَأَحْضَرَهُ الْفَضْلُ، وَأَعْلَمَهُ بِمَوْتِ الرَّشِيدِ، وَسَأَلَهُ عَمَّا عِنْدَهُ، فَخَافَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute