للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبَرْمِ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ، فَتَضَعْضَعُوا أَيْضًا لَهُ، فَأَخْبِرْنِي أَنْتَ، أَيُّهَا الْأَمِيرُ، كَيْفَ رَأَيْتَ النَّاسَ عِنْدَمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ خَبَرُ رَافِعٍ؟ قَالَ: رَأَيْتُهُمُ اضْطَرَبُوا اضْطِرَابًا شَدِيدًا. قَالَ: فَكَيْفَ بِكَ وَأَنْتَ نَازِلٌ فِي أَخْوَالِكَ وَبَيْعَتُكَ فِي أَعْنَاقِهِمْ، كَيْفَ يَكُونُ اضْطِرَابُ أَهْلِ بَغْدَاذَ؟ اصْبِرْ، وَأَنَا أَضْمَنُ لَكَ الْخِلَافَةَ.

قَالَ الْمَأْمُونُ: قَدْ فَعَلْتُ، وَجَعَلْتُ الْأَمْرَ إِلَيْكَ، فَقُمْ بِهِ.

قَالَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ: وَاللَّهِ لَأَصْدُقَنَّكَ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَالِكٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْقُوَّادِ إِنْ قَامُوا لَكَ بِالْأَمْرِ كَانُوا أَنْفَعَ لَكَ مِنِّي بِرِيَاسَتِهِمُ الْمَشْهُورَةِ، وَبِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ عَلَى الْحَرْبِ، فَمَنْ قَامَ بِالْأَمْرِ كُنْتُ خَادِمًا لَهُ، حَتَّى تَبْلُغَ أَمَلَكَ وَتَرَى رَأْيَكَ.

وَقَامَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ وَأَتَاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَذَكَّرَهُمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَفَاءِ، قَالَ: فَكَأَنِّي جِئْتُهُمْ بِجِيفَةٍ عَلَى طَبَقٍ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا لَا يَحِلُّ، اخْرُجْ! وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنِ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَخِيهِ؟ فَجِئْتُ وَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: قُمْ بِالْأَمْرِ! قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَرَأْتَ الْقُرْآنَ، وَسَمِعْتَ الْأَحَادِيثَ، وَتَفَقَّهْتَ فِي الدِّينِ، فَأَرَى أَنْ تَبْعَثَ إِلَى مَنْ بِحَضْرَتِكَ مِنَ الْفُقَهَاءِ، فَتَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَإِحْيَاءِ السُّنَّةِ، وَتَقْعُدَ عَلَى الصُّوفِ، وَتَرُدَّ الْمَظَالِمَ.

فَفَعَلَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ، وَأَكْرَمَهُ الْقُوَّادُ وَالْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ، وَكَانَ يَقُولُ لِلتَّمِيمِيِّ: نُقِيمُكَ مَقَامَ مُوسَى بْنِ كَعْبٍ، وَلِلرِّبْعِيِّ: نُقِيمُكَ مَقَامَ أَبِي دَاوُدَ، وَخَالِدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَلِلِيمَانِيِّ: نُقِيمُكَ مَقَامَ قَحْطَبَةَ، وَمَالِكِ بْنِ الْهَيْثَمِ. وَكُلُّ هَؤُلَاءِ نُقَبَاءُ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَوَضَعَ عَنْ خُرَاسَانَ رُبْعَ الْخَرَاجِ، فَحَسُنَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَقَالُوا: ابْنُ أُخْتِنَا، وَابْنُ عَمِّ نَبِيِّنَا.

وَأَمَّا الْأَمِينُ، فَلَمَّا سَكَنَ النَّاسُ بِبَغْدَاذَ أَمَرَ بِبِنَاءِ مَيْدَانٍ حَوْلَ قَصْرِ الْمَنْصُورِ بَعْدَ بَيْعَتِهِ بِيَوْمٍ، [لِلصَّوَالِجَةِ وَاللَّعِبِ] ، فَقَالَ شَاعِرُهُمْ:

بَنَى أَمِينُ اللَّهِ مَيْدَانَا ... وَصَيَّرَ السَّاحَةَ بُسْتَانَا

وَكَانَتِ الْغِزْلَانُ فِيهِ بَانَا ... يُهْدَى إِلَيْهِ فِيهِ غِزْلَانَا

<<  <  ج: ص:  >  >>