كَالْمُجْتَازَةِ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى قَرْيَةٍ، فَلَمَّا أَلَحَّ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ فِي خَلْعِ الْمَأْمُونِ أَجَابَهُ الْأَمِينُ إِلَى ذَلِكَ وَبَايَعَ لِوَلَدِهِ مُوسَى فِي صَفَرٍ، وَقِيلَ: فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَسَمَّاهُ النَّاطِقَ بِالْحَقِّ، وَنَهَى عَنْ ذِكْرِ الْمَأْمُونِ وَالْمُؤْتَمَنِ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْكَعْبَةِ بَعْضَ الْحَجَبَةِ، فَأَتَاهُ بِالْكِتَابَيْنِ اللَّذَيْنِ وَضَعَهُمَا الرَّشِيدُ فِي الْكَعْبَةِ بِبَيْعَةِ الْأَمِينِ وَالْمَأْمُونِ، فَأَحْضَرَهُمَا عِنْدَهُ فَمَزَّقَهُمَا الْفَضْلُ.
فَلَمَّا أَتَتِ الْأَخْبَارُ إِلَى الْمَأْمُونِ بِذَلِكَ قَالَ لِذِي الرِّيَاسَتَيْنِ: هَذِهِ أُمُورٌ أَخْبَرَ الرَّأْيُ عَنْهَا، وَكَفَانَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الْحَقِّ.
فَكَانَ أَوَّلَ مَا دَبَّرَهُ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ حِينَ بَلَغَهُ الدُّعَاءُ لِلْمَأْمُونِ وَصَحَّ عِنْدَهُ - أَنْ جَمَعَ الْأَجْنَادَ الَّذِينَ كَانَ اتَّخَذَهُمْ بِجَنَبَاتِ الرَّيِّ مَعَ الْأَجْنَادِ الَّذِينَ كَانُوا بِهَا، وَمَدَّهُمْ بِالْأَقْوَاتِ وَغَيْرِهَا، وَكَانَتِ الْبِلَادُ عِنْدَهُمْ قَدْ أَجْدَبَتْ، فَأَكْثَرَ عِنْدَهُمْ مَا يُرِيدُونَهُ، حَتَّى صَارُوا فِي أَرْغَدِ عَيْشٍ، وَأَقَامُوا بِالْحَدِّ لَا يَتَجَاوَزُونَهُ.
ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ (طَاهِرَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ أَسْعَدَ أَبَا الْعَبَّاسِ الْخُزَاعِيَّ أَمِيرًا فِيمَنْ ضُمَّ إِلَيْهِ) مِنْ قُوَّادِهِ وَأَجْنَادِهِ، فَسَارَ مُجِدًّا حَتَّى وَرَدَ الرَّيَّ فَنَزَلَهَا، فَوَضَعَ الْمَسَالِحَ وَالْمَوَاصِلَ، فَقَالَ بَعْضُ شُعَرَاءِ خُرَاسَانَ:
رَمَى أَهْلَ الْعِرَاقِ وَمَنْ عَلَيْهَا ... إِمَامُ الْعَدْلِ وَالْمَلِكُ الرَّشِيدُ
بِأَحْزَمِ مَنْ نَشَا رَأْيًا وَحَزْمًا ... وَكَيْدًا نَافِذًا مِمَّا يَكِيدُ
بِدَاهِيَةٍ تَأَدَّى خَنْفَقِيقٍ ... يَشِيبُ لِهَوْلِ صَوْلَتِهَا الْوَلِيدُ
فَأَمَّا الْأَمِينُ فَإِنَّهُ وَجَّهَ عِصْمَةَ بْنَ حَمَّادِ بْنِ سَالِمٍ إِلَى هَمَذَانَ فِي أَلْفِ رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوَجِّهَ مُقَدِّمَتَهُ إِلَى سَاوَةَ، وَيُقِيمَ بِهَمَذَانَ، وَجَعَلَ الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَعَلِيُّ بْنُ عِيسَى يَبْعَثَانِ الْأَمِينَ وَيُغْرِيَانِهِ بِحَرْبِ الْمَأْمُونِ.
وَلَمَّا بَايَعَ الْأَمِينُ لِوَلَدِهِ مُوسَى جَعَلَهُ فِي حُجْرِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى، وَجَعَلَ عَلَى شُرَطِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute