وَتَقَدَّمَ طَاهِرٌ فَنَزَلَ حُلْوَانَ، فَلَمَّا نَزَلَهَا لَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى أَتَاهُ هَرْثَمَةُ فِي جَيْشٍ مِنْ عِنْدِ الْمَأْمُونِ، وَمَعَهُ كِتَابٌ إِلَى طَاهِرٍ، يَأْمُرُهُ بِتَسْلِيمِ مَا حَوَى مِنَ الْمُدُنِ وَالْكُوَرِ إِلَى هَرْثَمَةَ، وَيَتَوَجَّهُ هُوَ إِلَى الْأَهْوَازِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ هَرْثَمَةُ بِحُلْوَانَ وَحَصَّنَهَا، وَسَارَ طَاهِرٌ إِلَى الْأَهْوَازِ.
ذِكْرُ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خُطِبَ لِلْمَأْمُونِ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَفْعِ مَنْزِلَةِ الْفَضْلِ بْنِ سَهْلٍ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ خَبَرُ قَتْلِ ابْنِ مَاهَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَبَلَةَ، وَصَحَّ عِنْدَهُ الْخَبَرُ بِذَلِكَ، أَمَرَ أَنْ يُخْطَبَ لَهُ، وَيُخَاطَبَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَدَعَا الْفَضْلَ بْنَ سَهْلٍ وَعَقَدَ لَهُ عَلَى الْمَشْرِقِ مِنْ جَبَلِ هَمَذَانَ إِلَى التُّبَّتِ طُولًا، وَمِنْ بَحْرِ فَارِسَ إِلَى بَحْرِ الدَّيْلَمِ وَجُرْجَانَ عَرْضًا، وَجَعَلَ لَهُ عِمَالَةً ثَلَاثَةَ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً عَلَى سِنَانٍ ذِي شُعْبَتَيْنِ، وَلَقَّبَهُ ذَا الرِّيَاسَتَيْنِ، رِيَاسَةِ الْحَرْبِ، وَالْقَلَمِ، وَحَمَلَ اللِّوَاءَ عَلِيُّ بْنُ هِشَامٍ، وَحَمَلَ الْقَلَمَ نُعَيْمُ بْنُ حَازِمٍ، وَوَلَّى الْحَسَنَ بْنَ سَهْلٍ دِيوَانَ الْخَرَاجِ.
ذِكْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ وَمَوْتِهِ
قَدْ ذَكَرْنَا قَبْضَ الرَّشِيدِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ صَالِحٍ، وَحَبْسَهُ إِيَّاهُ، فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا حَتَّى مَاتَ الرَّشِيدُ، فَأَخْرَجَهُ الْأَمِينُ مِنَ الْحَبْسِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ [وَمِائَةٍ] ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، فَشَكَرَ عَبْدُ الْمَلِكِ ذَلِكَ لَهُ.
فَلَمَّا كَانَ مِنْ طَاهِرٍ مَا كَانَ دَخَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ عَلَى الْأَمِينِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَرَى النَّاسَ قَدْ طَمِعُوا فِيكَ، وَجُنْدُكَ قَدْ أَعْيَتْهُمُ الْهَوَامُّ، وَأَضْعَفَتْهُمُ الْحُرُوبُ، وَامْتَلَأَتْ قُلُوبُهُمْ هَيْبَةً لِعَدُوِّهِمْ، فَإِنْ سَيَّرْتَهُمْ إِلَى طَاهِرٍ غَلَبَ بِقَلِيلِ مَنْ مَعَهُ كَثِيرَهُمْ، وَهَزَمَ بِقُوَّةِ نِيَّتِهِ ضَعْفَ نَصَائِحِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، وَأَهْلُ الشَّامِ قَوْمٌ قَدْ ضَرَسَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَدَّبَتْهُمُ الشَّدَائِدُ، وَكُلُّهُمْ مُنْقَادٌ (إِلَيَّ مُتَنَازِعٌ إِلَى طَاعَتِي) ، وَإِنْ وَجَّهَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ اتَّخَذْتُ لَهُ مِنْهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute