جُنْدًا يَعْظُمُ نِكَايَتُهُمْ فِي عَدُوِّهِ.
فَوَلَّاهُ الْأَمِينُ الشَّامَ وَالْجَزِيرَةَ، وَقَوَّاهُ بِمَالٍ وَرِجَالٍ، وَسَيَّرَهُ سَيْرًا حَثِيثًا.
فَسَارَ حَتَّى نَزَلَ الرَّقَّةَ، وَكَاتَبَ رُؤَسَاءَ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ وَالْبَأْسِ، فَأَتَوْهُ رَئِيسًا بَعْدَ رَئِيسٍ، وَجَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ، فَأَكْرَمَهُمْ وَمَنَّاهُمْ، وَخَلَعَ عَلَيْهِمْ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، فَمَرِضَ وَاشْتَدَّ مَرَضُهُ.
ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ جُنُودِ خُرَاسَانَ الْمُقِيمِينَ فِي عَسْكَرِ الشَّامِ رَأَى دَابَّةً كَانَتْ أُخِذَتْ مِنْهُ فِي وَقْعَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ تَحْتَ بَعْضِ الزَّوَاقِيلِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَيْضًا، فَتَعَلَّقَ بِهَا، وَاجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الزَّوَاقِيلِ وَالْجُنْدِ، فَتَضَارَبُوا، وَاجْتَمَعَتِ الْأَبْنَاءُ وَتَأَلَّبُوا، وَأَتَوُا الزَّوَاقِيلَ وَهُمْ غَارُّونَ، فَوَضَعُوا فِيهِمُ السُّيُوفَ، فَقَتَلُوا مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، وَتَنَادَى الزَّوَاقِيلُ، فَرَكِبُوا خُيُولَهُمْ، وَنَشَبَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ، فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفِّ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَاقْتَتَلُوا يَوْمَهُمْ ذَلِكَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَأَكْثَرَتِ الْأَبْنَاءُ الْقَتْلَ فِي الزَّوَاقِيلِ، فَأُخْبِرَ عَبْدُ الْمَلِكِ بِذَلِكَ، وَكَانَ مَرِيضًا مُدْنَفًا، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ، وَقَالَ: وَاذُلَّاهُ! تُسْتَضَامُ الْعَرَبُ فِي دُورِهَا وَبِلَادِهَا! فَغَضِبَ مَنْ كَانَ أَمْسَكَ عَنِ الشَّرِّ مِنَ الْأَبْنَاءِ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ، وَقَامَ بِأَمْرِ الْأَبْنَاءِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ، وَأَصْبَحَ الزَّوَاقِيلُ فَاجْتَمَعُوا بِالرَّقَّةِ، وَاجْتَمَعَ الْأَبْنَاءُ وَأَهْلُ خُرَاسَانَ بِالرَّافِقَةِ.
وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ فَقَالَ: يَا أَهْلَ حِمْصَ! الْهَرَبُ أَهْوَنُ مِنَ الْعَطَبِ، وَالْمَوْتُ أَهْوَنُ مِنَ الذُّلِّ، إِنَّكُمْ قَدْ بَعِدْتُمْ عَنْ بِلَادِكُمْ، تَرْجُونَ الْكَثْرَةَ بَعْدَ الْقِلَّةِ، وَالْعِزَّةَ بَعْدَ الذِّلَّةِ، أَلَا وَفِي الشَّرِّ وَقَعْتُمْ، وَفِي حَوْمَةِ الْمَوْتِ أَنَخْتُمْ، إِنَّ الْمَنَايَا فِي شَوَارِبِ الْمُسَوِّدَةِ وَقَلَانِسِهِمْ، النَّفِيرَ النَّفِيرَ، قَبْلَ أَنْ يَنْقَطِعَ السَّبِيلُ، وَيَنْزِلَ الْأَمْرُ الْجَلِيلُ، وَيَفُوتَ الْمَطْلَبُ، وَيَعْسَرَ الْمَهْرَبُ.
وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ كَلْبٍ فِي غَرْزِ نَاقَتِهِ، فَقَالَ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنِّي سَائِرٌ، فَمَنْ أَرَادَ الِانْصِرَافَ فَلْيَنْصَرِفْ مَعِي! ثُمَّ سَارَ فَسَارَ مَعَهُ عَامَّةُ أَهْلِ الشَّامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute