للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَكَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ الْأَمِينِ لَمَّا حَصَرَهُ طَاهِرٌ، قَالَ: فَخَرَجَ الْأَمِينُ ذَاتَ لَيْلَةٍ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَرَّجَ مِنَ الضِّيقِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، فَصَارَ إِلَى قَصْرٍ لَهُ بِنَاحِيَةِ الْخُلْدِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَحَضَرْتُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: تَرَى طِيبَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ، وَحُسْنَ الْقَمَرِ فِي السَّمَاءِ، وَضَوْءَهُ فِي الْمَاءِ عَلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، فَهَلْ لَكَ فِي الشُّرْبِ؟ فَقُلْتُ: شَأْنَكَ. فَشَرِبَ رِطْلًا، وَسَقَانِي آخَرَ، ثُمَّ غَنَّيْتُهُ مَا كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ، فَقَالَ لِي: مَا تَقُولُ فِيمَنْ يَضْرِبُ عَلَيْكَ؟ فَقُلْتُ: مَا أَحْوَجَنِي إِلَيْهِ! فَدَعَا بِجَارِيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ عِنْدَهُ، اسْمُهَا ضَعْفُ، فَتَطَيَّرْتُ مِنِ اسْمِهَا وَنَحْنُ فِي تِلْكَ الْحَالِ، فَقَالَ لَهَا: غَنِّي. فَغَنَّتْ بِشِعْرِ الْجَعْدِيِّ:

كُلَيْبٌ لَعَمْرِي كَانَ أَكْثَرَ نَاصِرًا ... وَأَيْسَرَ جُرْمًا مِنْكَ ضُرِّجَ بِالدَّمِ

فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَتَطَيَّرَ مِنْهُ، وَقَالَ: غَنِّي غَيْرَ ذَلِكَ. فَغَنَّتْ:

أَبْكَى فِرَاقُهُمْ عَيْنِي فَأَرَّقَهَا ... إِنَّ التَّفَرُّقَ لِلْأَحْبَابِ بَكَّاءُ

مَا زَالَ يَعْدُو عَلَيْهِمْ رَيْبُ دَهْرِهِمُ ... حَتَّى تَفَانَوْا وَرَيْبُ الدَّهْرِ عَدَّاءُ

فَقَالَ لَهَا: لَعَنَكِ اللَّهُ! أَمَا تَعْرِفِينَ مِنَ الْغِنَاءِ غَيْرَ هَذَا؟ فَقَالَتْ: مَا تَغَنَّيْتُ إِلَّا بِمَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُحِبُّهُ! ثُمَّ غَنَّتْ آخَرَ:

أَمَا وَرَبِّ السُّكُونِ وَالْحَرَكِ ... إِنَّ الْمَنَايَا كَثِيرَةُ الشَّرَكِ

مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا ... دَارَتْ نُجُومُ السَّمَاءِ فِي الْفَلَكِ

إِلَّا لِنَقْلِ النَّعِيمِ مِنْ مَلِكٍ ... قَدْ زَالَ سُلْطَانُهُ إِلَى مَلِكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>