للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالُوا: قَدْ تَفَرَّقَ عَنْكَ النَّاسُ، وَأَحَاطَ بِكَ عَدُوُّكَ، وَقَدْ بَقِيَ مَعَكَ مِنْ خَيْلِكَ سَبْعَةُ آلَافِ فَرَسٍ مِنْ خِيَارِهَا، فَنَرَى أَنْ تَخْتَارَ مِمَّنْ عَرَفْنَاهُ بِمَحَبَّتِكَ مِنَ الْأَبْنَاءِ سَبْعَةَ آلَافٍ، فَتَحْمِلَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْخَيْلِ، وَتَخْرُجَ لَيْلًا عَلَى بَابٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ، فَإِنَّ اللَّيْلَ لِأَهْلِهِ، وَلَنْ يَثْبُتَ لَنَا أَحَدٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - فَنَخْرُجُ حَتَّى نَلْحَقَ بِالْجَزِيرَةِ وَالشَّامِ، فَنَفْرِضُ الْفُرُوضَ، وَنَجْبِي الْخَرَاجَ، وَنَصِيرُ فِي مَمْلَكَةٍ وَاسِعَةٍ وَمُلْكٍ جَدِيدٍ، فَيُسَارِعُ إِلَيْكَ النَّاسُ، وَيَنْقَطِعُ عَنْ طَلَبِكَ الْجُنْدُ، وَيُحْدِثُ اللَّهُ أُمُورًا.

فَقَالَ لَهُمْ: نِعْمَ مَا رَأَيْتُمْ! وَعَزَمَ عَلَى ذَلِكَ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى طَاهِرٍ، فَكَتَبَ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ الْمَنْصُورِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ، وَالسِّنْدِيِّ بْنِ شَاهَكَ: وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ تَرُدُّوهُ عَنْ هَذَا الرَّأْيِ لَا تَرَكْتُ لَكُمْ ضَيْعَةً إِلَّا قَبْضْتُهَا، وَلَا يَكُونُ لِي هِمَّةٌ إِلَّا أَنْفُسَكُمْ.

فَدَخَلُوا عَلَى الْأَمِينِ فَقَالُوا لَهُ: قَدْ بَلَغَنَا الَّذِي عَزَمْتَ عَلَيْهِ، فَنَحْنُ نُذَكِّرُكَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ صَعَالِيكُ، وَقَدْ بَلَغَ بِهِمُ الْحِصَارُ إِلَى مَا تَرَى، فَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ لَا أَمَانَ لَهُمْ عِنْدَ أَخِيكَ، وَعِنْدَ طَاهِرٍ، لِجِدِّهِمْ فِي الْحَرْبِ، وَلَسْنَا نَأْمَنُ إِذَا خَرَجْتَ مَعَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوكَ أَسِيرًا، أَوْ يَأْخُذُوا رَأْسَكَ، فَيَتَقَرَّبُوا بِكَ وَيَجْعَلُوكَ سَبَبَ أَمَانِهِمْ. وَضَرَبُوا فِيهِ الْأَمْثَالَ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمْ، وَأَجَابَ إِلَى طَلَبِ الْأَمَانِ وَالْخُرُوجِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا غَايَتُكَ السَّلَامَةُ، وَاللَّهْوُ، وَأَخُوكَ يَتْرُكُكَ حَيْثُ أَحْبَبْتَ، [وَيُفْرِدُكَ فِي مَوْضِعٍ] وَيَجْعَلُ لَكَ فِيهِ كُلَّ مَا يُصْلِحُكَ، وَكُلَّ مَا تُحِبُّ وَتَهْوَى، وَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهُ بَأْسٌ وَلَا مَكْرُوهٌ. فَرَكَنَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَجَابَ إِلَى الْخُرُوجِ إِلَى هَرْثَمَةَ بْنِ أَعْيَنَ.

فَدَخَلَ عَلَيْهِ أُولَئِكَ النَّفَرُ الَّذِينَ أَشَارُوا بِقَصْدِ الشَّامِ، وَقَالُوا: إِذَا لَمْ تَقْبَلْ مَا أَشَرْنَا بِهِ عَلَيْكَ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَبِلْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُدَاهِنِينَ، فَالْخُرُوجُ إِلَى طَاهِرٍ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى هَرْثَمَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَكْرَهُ طَاهِرًا، لِأَنِّي رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي قَائِمٌ عَلَى حَائِطٍ مِنْ آجُرٍّ شَاهِقٍ فِي السَّمَاءِ، عَرِيضِ الْأَسَاسِ، لَمْ أَرَ مِثْلَهُ فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَعَلَيَّ سَوَادِي، وَمِنْطَقِي، وَسَيْفِي، وَكَانَ طَاهِرٌ فِي أَصْلِ ذَلِكَ الْحَائِطِ، فَمَا زَالَ يَضْرِبُهُ حَتَّى سَقَطَ، وَسَقَطْتُ، وَطَارَتْ قَلَنْسُوَتِي عَنْ رَأْسِي، فَأَنَا أَتَطَيَّرُ مِنْهُ وَأَكْرَهُهُ، وَهَرْثَمَةُ مَوْلَانَا،

<<  <  ج: ص:  >  >>