للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ، وَأَنَا أَشَدُّ أُنْسًا بِهِ وَثِقَةً إِلَيْهِ.

فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ الْأَمَانَ، فَأَجَابَهُ هَرْثَمَةُ إِلَى ذَلِكَ، وَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ دُونَهُ إِنْ هَمَّ الْمَأْمُونُ بِقَتْلِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ طَاهِرٌ اشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَأَبَى أَنْ يَدَعَهُ يَخْرُجُ إِلَى هَرْثَمَةَ وَقَالَ: هُوَ فِي جُنْدِي وَالْجَانِبِ الَّذِي أَنَا فِيهِ، وَأَنَا أَحْرَجْتُهُ بِالْحِصَارِ حَتَّى طَلَبَ الْأَمَانَ،، فَلَا أَرْضَى أَنْ يَخْرُجَ إِلَى هَرْثَمَةَ، فَيَكُونَ لَهُ الْفَتْحُ دُونِي.

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ هَرْثَمَةَ وَالْقُوَّادَ اجْتَمَعُوا فِي مَنْزِلِ خُزَيْمَةَ بْنِ خَازِمٍ، وَحَضَرَ طَاهِرٌ وَقُوَّادُهُ، وَحَضَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمَنْصُورِ، وَالسِّنْدِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ نَهِيكٍ، وَأَدَارُوا الرَّأْيَ بَيْنَهُمْ، وَأَخْبَرُوا طَاهِرًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُجَبْ إِلَى مَا سَأَلَ لَمْ يُؤْمَنْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مِثْلَهُ أَيَّامَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى بْنِ مَاهَانَ. وَقَالُوا لَهُ: إِنَّهُ إِنْ يَخْرُجْ إِلَى هَرْثَمَةَ بِبَدَنِهِ، وَيَدْفَعْ إِلَيْكَ الْخَاتَمَ وَالْقَضِيبَ وَالْبُرْدَةَ، (وَذَلِكَ هُوَ الْخِلَافَةُ، فَاغْتَنِمْ هَذَا الْأَمْرَ وَلَا تُفْسِدْهُ! فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ.

ثُمَّ إِنَّ الْهَرْشَ لَمَّا عَلِمَ بِالْخَبَرِ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إِلَى طَاهِرٍ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الَّذِي جَرَى بَيْنَهُمْ مَكْرٌ، وَأَنَّ الْخَاتَمَ وَالْقَضِيبَ وَالْبُرْدَةَ تُحْمَلُ مَعَ الْأَمِينِ إِلَى هَرْثَمَةَ، فَاغْتَاظَ مِنْهُ، وَجَعَلَ حَوْلَ قَصْرِ أُمِّ الْأَمِينِ وَقُصُورِ الْخُلْدِ قَوْمًا مَعَهُمُ الْعَتَلُ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ أَحَدٌ، فَلَمَّا تَهَيَّأَ الْأَمِينُ لِلْخُرُوجِ إِلَى هَرْثَمَةَ، عَطِشَ قَبْلَ خُرُوجِهِ عَطَشًا شَدِيدًا، فَطُلِبَ لَهُ فِي خِزَانَةِ الشَّرَابِ مَاءً، فَلَمْ يُوجَدْ، فَلَمَّا أَمْسَى لَيْلَةَ الْأَحَدِ، لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، خَرَجَ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى صَحْنِ الدَّارِ، وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ، وَطَيْلَسَانٌ أَسْوَدُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ هَرْثَمَةُ: وَافَيْتُ لِلْمِيعَادِ) لِأَحْمِلَكَ، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ لَا تَخْرُجَ اللَّيْلَةَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ عَلَى الشَّطِّ أَمْرًا قَدْ رَابَنِي، وَأَخَافُ أَنْ أُغْلَبَ وَتُؤْخَذَ مِنْ يَدِي، وَتَذْهَبَ نَفْسُكَ وَنَفْسِي، فَأَقِمِ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَسْتَعِدَّ وَآتِيَكَ اللَّيْلَةَ الْقَابِلَةَ، فَإِنْ حُورِبْتَ حَارَبْتُ دُونَكَ.

فَقَالَ الْأَمِينُ لِلرَّسُولِ: ارْجِعْ إِلَيْهِ، وَقُلْ لَهُ لَا يَبْرَحُ، فَإِنِّي خَارِجٌ إِلَيْهِ السَّاعَةَ لَا مَحَالَةَ، وَلَسْتُ أُقِيمُ إِلَى غَدٍ.

وَقَلِقَ وَقَالَ: قَدْ تَفَرَّقَ عَنِّي النَّاسُ مِنَ الْمَوَالِي وَالْحَرَسِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا آمَنُ إِنِ انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى طَاهِرٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فَيَأْخُذَنِي، ثُمَّ دَعَا بِابْنَيْهِ، فَضَمَّهُمَا إِلَيْهِ وَقَبَّلَهُمَا، وَبَكَى وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكُمَا اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَمَسَحَ دُمُوعَهُ بِكُمِّهِ، ثُمَّ جَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>