وَجَاءُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ: تَقَدَّمْ، وَيَدْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَخَذَ الْأَمِينُ بِيَدِهِ وِسَادَةٌ، وَجَعَلَ يَقُولُ: وَيْحَكُمْ! أَنَا ابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، أَنَا ابْنُ هَارُونَ، أَنَا أَخُو الْمَأْمُونِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي دَمِي.
فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً وَقَعَتْ فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهِ، وَضَرَبَهُ الْأَمِينُ بِالْوِسَادَةِ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَرَادَ [أَنْ] يَأْخُذَ السَّيْفَ مِنْهُ فَصَاحَ: قَتَلَنِي! قَتَلَنِي! فَدَخَلَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، فَنَخَسَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالسَّيْفِ فِي خَاصِرَتِهِ، فَرَكِبُوهُ، فَذَبَحُوهُ ذَبْحًا مِنْ قَفَاهُ، وَأَخَذُوا رَأْسَهُ، وَمَضَوْا بِهِ إِلَى طَاهِرٍ، وَتَرَكُوا جُثَّتَهُ.
فَلَمَّا كَانَ السَّحَرُ أَخَذُوا جُثَّتَهُ، فَأَدْرَجُوهَا فِي جُلٍّ وَحَمَلُوهَا، فَنَصَبَ طَاهِرٌ الرَّأْسَ عَلَى بُرْجٍ، وَخَرَجَ أَهْلُ بَغْدَاذَ لِلنَّظَرِ، وَطَاهِرٌ يَقُولُ: هَذَا رَأْسُ الْمَخْلُوعِ مُحَمَّدٍ.
فَلَمَّا قُتِلَ نَدِمَ جُنْدُ بَغْدَاذَ وَجُنْدُ طَاهِرٍ عَلَى قَتْلِهِ، لِمَا كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَبَعَثَ طَاهِرٌ بِرَأْسِ مُحَمَّدٍ إِلَى أَخِيهِ الْمَأْمُونِ مَعَ ابْنِ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُصْعَبٍ، وَكَتَبَ مَعَهُ بِالْفَتْحِ، فَلَمَّا وَصَلَ أَخَذَ الرَّأْسَ ذُو الرِّيَاسَتَيْنِ، فَأَدْخَلَهُ عَلَى تُرْسٍ، فَلَمَّا رَآهُ الْمَأْمُونُ سَجَدَ، وَبَعَثَ مَعَهُ طَاهِرٌ بِالْبُرْدَةِ وَالْقَضِيبِ وَالْخَاتَمِ.
وَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَنَّ طَاهِرًا أَمَرَ مَوْلَاهُ قُرَيْشًا فَقَتَلَهُ، قَالَ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كُنَّا نَرْوِي أَنَّهُ يَقْتُلُهُ قُرَيْشٌ، فَذَهَبْنَا إِلَى الْقَبِيلَةِ فَوَافَقَ الِاسْمُ [الِاسْمَ] .
وَلَمَّا قُتِلَ الْأَمِينُ نُودِيَ فِي النَّاسِ بِالْأَمَانِ، فَأَمِنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، وَدَخَلَ طَاهِرٌ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمْعَةِ، فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَخَطَبَ لِلْمَأْمُونِ، وَذَمَّ الْأَمِينَ، وَكَتَبَ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، وَقِيلَ إِلَى ابْنِ الْمَهْدِيِّ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ عَزِيزٌ عَلَيَّ أَنْ أَكْتُبَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْخِلَافَةِ بِغَيْرِ التَّأْمِيرِ، وَلَكِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَمِيلُ بِالرَّأْيِ، وَتُصْغِي بِالْهَوَى إِلَى النَّاكِثِ الْمَخْلُوعِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَكَثِيرٌ مَا كَتَبْتُ إِلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَالسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute