وَكَانَ سَبْطًا، أَنْزَعَ، صَغِيرَ الْعَيْنَيْنِ، أَقْنَى، جَمِيلًا، طَوِيلًا، عَظِيمَ الْكَرَادِيسِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ بِالرُّصَافَةِ.
وَلَمَّا وَصَلَ خَبَرُ قَتْلِهِ إِلَى الْمَأْمُونِ أَذِنَ لِلْقُوَّادِ، وَقَرَأَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْكِتَابَ عَلَيْهِمْ، فَهَنَّئُوهُ بِالظَّفَرِ وَدَعَوْا لَهُ. وَكَتَبَ إِلَى طَاهِرٍ وَهَرْثَمَةَ بِخَلْعِ الْقَاسِمِ الْمُؤْتَمَنِ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ، فَخَلَعَاهُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَأَكْثَرَ الشُّعَرَاءُ فِي مَرَاثِي الْأَمِينِ وَهِجَائِهِ، تَرَكْنَا أَكْثَرَهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنِ التَّارِيخِ، فَمِمَّا قِيلَ فِي مَرَاثِيهِ قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ الضَّحَّاكِ، وَكَانَ مِنْ نُدَمَائِهِ، وَكَانَ لَا يُصَدِّقُ بِقَتْلِهِ، وَيَطْمَعُ فِي رُجُوعِهِ:
يَا خَيْرَ أُسْرَتِهِ وَإِنْ زَعَمُوا ... إِنِّي عَلَيْكَ لَمُثْبَتٌ أَسِفُ
اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ لِي كَبِدًا ... حَرَّى عَلَيْكَ وَمُقْلَةً تَكِفُ
وَلَئِنْ شَجِيتُ بِمَا رُزِئْتُ بِهِ ... إِنِّي لَأُضْمِرُ فَوْقَ مَا أَصِفُ
هَلَّا بَقِيتَ لِسَدِّ فَاقَتِنَا أَبَدًا ... وَكَانَ لِغَيْرِكَ التَّلَفُ
قَدْ كَانَ فِيكَ لِمَنْ مَضَى خَلَفٌ ... وَلَسَوْفَ يُعْوِزُ بَعْدَكَ الْخَلَفُ
لَا بَاتَ رَهْطُكَ بَعْدَ هَفْوَتِهِمْ ... إِنِّي لِرَهْطِكَ بَعْدَهَا شَنِفُ
هَتَكُوا بِحُرْمَتِكَ الَّتِي هُتِكَتْ ... حُرَمَ الرَّسُولِ وَدُونَهَا السُّجُفُ
وَثَبَتْ أَقَارِبُكَ الَّتِي خُذِلَتْ ... وَجَمِيعُهَا بِالذُّلِّ مُعْتَرِفُ
تَرَكُوا حَرِيمَ أَبِيهِمْ نَفَلًا ... وَالْمُحْصَنَاتُ صَوَارِخٌ هُتُفُ
أَبْدَتْ مُخَلْخَلَهَا عَلَى دَهَشٍ أَبْكَارُهُنَّ ... وَرَنَّتِ النَّصَفُ سُلِبَتْ مَعَاجِرُهُنَّ
وَاجْتُلِيَتْ ذَاتُ النِّقَابِ وَنُوزِعَ الشَّنَفُ ... فَكَأَنَّهُنَّ خِلَالَ مُنْتَهَبٍ
دُرٌّ تَكَشَّفَ دُونَهُ الصَّدَفُ ... مَلِكٌ تَخَوَّنَ مُلْكَهُ قَدَرٌ
فَوَهَى وَصَرْفُ الدَّهْرِ مُخْتَلِفُ