للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعِزُّ عَلَى هَارُونَ مَا قَدْ لَقِيتُهُ

وَمَا مَرَّ بِي نَاقِصُ الْخَلْقِ أَعْوَرِ ... فَإِنْ كَانَ مَا أَبْدَى بِأَمْرٍ أَمَرْتَهُ

صَبَرْتُ لِأَمْرٍ مِنْ قَدِيرٍ مُقَدِّرِ ... تَذَكَّرْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَرَابَتِي

فَدَيْتُكَ مِنْ ذِي حُرْمَةٍ مُتَذَكِّرِ

فَلَمَّا قَرَأَهَا الْمَأْمُونُ بَكَى، وَقَالَ: أَنَا - وَاللَّهِ - الطَّالِبُ بِثَأْرِ أَخِي، قَتَلَ اللَّهُ قَتَلَتَهُ.

وَلَقَدْ أَسْرَفَ الْحُسَيْنُ بْنُ الضَّحَّاكِ فِي مَرَاثِي الْأَمِينِ، وَذَمِّ الْمَأْمُونِ، فَلِهَذَا حَجَبَهُ الْمَأْمُونُ عَنْهُ وَلَمْ يَسْمَعْ مَدِيحَهُ مُدَّةً، ثُمَّ أَحْضَرَهُ يَوْمًا، فَقَالَ لَهُ: أَخْبِرْنِي! هَلْ رَأَيْتَ يَوْمَ قُتِلَ أَخِي هَاشِمِيَّةً قُتِلَتْ وَهُتِكَتْ؟ قَالَ: لَا! قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ:

وَمِمَّا شَجَا قَلْبِي وَكَفْكَفَ عَبْرَتِي ... مَحَارِمُ مِنْ آلِ النَّبِيِّ اسْتُحِلَّتِ

وَمَهْتُوكَةٌ بِالْخُلْدِ عَنْهَا سُجُوفُهَا كَعَابٌ ... كَقَرْنِ الشَّمْسِ حِينَ تَبَدَّتِ إِذَا خَفَرَتْهَا رَوْعَةٌ

مِنْ مُنَازِعٍ لَهَا الْمِرْطَ عَاذَتْ بِالْخُشُوعِ وَرَنَّتِ ... وَسِرْبُ ظِبَاءٍ مِنْ ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ

هَتَفْنَ بِدَعْوَى خَيْرِ حَيٍّ وَمَيِّتِ ... أَرُدُّ يَدًا مِنِّي إِذَا مَا ذَكَرْتُهُ عَلَى كَبِدٍ حَرَّى

وَقَلْبٍ مُفَتَّتِ فَلَا بَاتَ لَيْلُ الشَّامِتِينَ بِغِبْطَةٍ ... وَلَا بَلَغَتْ آمَالَهَا مَا تَمَنَّتِ

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! لَوْعَةٌ غَلَبَتْنِي، وَرَوْعَةٌ فَاجَأَتْنِي، وَنِعْمَةٌ سُلِبْتُهَا بَعْدَ أَنْ غَمَرَتْنِي، وَإِحْسَانٌ شَكَرْتُهُ فَأَنْطَقَنِي، وَسَيِّدٌ فَقَدْتُهُ فَأَقْلَقَنِي، فَإِنْ عَاقَبْتَ فَبِحَقِّكَ، وَإِنْ عَفَوْتَ فَبِفَضْلِكَ.

فَدَمَعَتْ عَيْنُ الْمَأْمُونِ وَقَالَ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ، وَأَمَرْتُ بِإِدْرَارِ أَرْزَاقِكَ عَلَيْكَ، وَعَطَائِكَ مَا فَاتَكَ مُتَمَّمًا، وَجَعَلْتُ عُقُوبَةَ ذَنْبِكَ امْتِنَاعِي مِنِ اسْتِخْدَامِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>