ثُمَّ إِنَّ الْمَأْمُونَ رَضِيَ عَنْهُ وَسَمِعَ مَدِيحَهُ.
وَمِمَّا قِيلَ فِي هِجَائِهِ:
لِمْ نُبَكِّيكَ، لِمَاذَا؟ لِلطَّرَبِ يَا أَبَا مُوسَى ... وَتَرْوِيجِ اللَّعَبْ وَلِتَرْكِ الْخَمْسِ فِي أَوْقَاتِهَا
حِرْصًا مِنْكَ عَلَى مَاءِ الْعِنَبْ وَشَنِيفٍ ... أَنَا لَا أَبْكِي لَهُ وَعَلَى كَوْثَرٍ
لَا أَخْشَى الْعَطَبْ لَمْ تَكُنْ ... تَعْرِفُ مَا حَدُّ الرِّضَى لَا
وَلَا تَعْرِفُ مَا حَدُّ الْغَضَبْ ... لَمْ تَكُنْ تَصْلُحُ لِلْمُلْكِ وَلَمْ
تُعْطِكَ الطَّاعَةَ بِالْمُلْكِ الْعَرَبْ ... لِمْ نُبَكِّيكَ؟ لِمَا عَرَّضْتَنَا
لِلْمَجَانِيقِ وَطَوْرًا لِلسَّلَبْ ... فِي عَذَابٍ وَحِصَارٍ مُجْهِدٍ
سَدَّدَ الطُّرْقَ، فَلَا وَجْهَ الطَّلَبْ ... زَعَمُوا أَنَّكَ حَيٌّ حَاشِرٌ
كُلُّ
مَنْ قَدْ قَالَ هَذَا فَكَذَبْ
لَيْتَهُ قَدْ قَالَهُ فِي وَجْدَةٍ مِنْ ... جَمِيعٍ ذَاهِبٍ حَيْثُ ذَهَبْ
أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا قَتْلَهُ ... وَإِذَا مَا أَوْجَبَ الْأَمْرَ وَجَبْ
كَانَ وَاللَّهِ عَلَيْنَا فِتْنَةً ... غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَتَبْ
وَقِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ، تَرَكْنَا ذِكْرَهُ خَوْفَ الْإِطَالَةِ.
ذِكْرُ بَعْضِ سِيرَةِ الْأَمِينِ
لَمَّا مَلَكَ الْأَمِينُ وَكَاتَبَهُ الْمَأْمُونُ، وَأَعْطَاهُ بَيْعَتَهُ - طَلَبَ الْخِصْيَانَ وَأَتْبَاعَهُمْ وَغَالَى فِيهِمْ، فَصَيَّرَهُمْ لِخَلْوَتِهِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَقِوَامِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَفَرَضَ لَهُمْ فَرْضًا سَمَّاهُمُ الْجَرَادِيَّةَ، وَفَرْضًا مِنَ الْحُبْشَانِ سَمَّاهُمُ الْغُرَابِيَّةَ، وَرَفَضَ النِّسَاءَ الْحَرَائِرَ وَالْإِمَاءَ، حَتَّى رُمِيَ بِهِنَّ، وَقِيلَ فِيهِ الْأَشْعَارُ،