فَضَاقَ النَّاسُ لِذَلِكَ وَشَكَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِينَ، اسْمُهُ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْجَزَرِيُّ، مَعَ رِجَالٍ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَنَهَوْهُ عَنْ ذَلِكَ وَوَعَظُوهُ، وَخَوَّفُوهُ الْعَذَابَ فِي الْآخِرَةِ، وَسُوءَ الذِّكْرِ فِي الدُّنْيَا، وَزَوَالَ النِّعْمَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى اسْمُهُ وَجَلَّ ثَنَاؤُهُ - {لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد: ١١] .
فَلَمْ يُجِبْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَغْلَبِ أَمِيرُ إِفْرِيقِيَّةَ الْمَذْكُورُ إِلَى مَا طَلَبُوا، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَقَالَ لَهُمْ حَفْصٌ: لَوْ أَنَّنَا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنُصْلِي، وَنَسْأَلُ اللَّهَ - تَعَالَى - أَنْ يُخَفِّفَ عَنِ النَّاسِ؟ فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَمَا لَبِثَ إِلَّا خَمْسَةَ أَيَّامٍ حَتَّى خَرَجَتْ قُرْحَةٌ تَحْتَ أُذُنِهِ، فَلَمْ يَنْشَبْ أَنْ مَاتَ مِنْهَا، وَكَانَ أَجْمَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَلَمَّا مَاتَ وَلِيَ بَعْدَهُ أَخُوهُ زِيَادَةُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَبَقِيَ أَمِيرًا رَخِيَّ الْبَالِ (وَادِعًا، وَالدُّنْيَا) عِنْدَهُ آمِنَةٌ.
ثُمَّ جَهَّزَ جَيْشًا فِي أُسْطُولِ الْبَحْرِ، وَكَانَ مَرَاكِبَ كَثِيرَةً، إِلَى مَدِينَةِ سَرْدَانِيَةَ، وَهِيَ لِلرُّومِ، (فَعَطِبَ بَعْضُهَا) بَعْدَ أَنْ غَنِمُوا مِنَ الرُّومِ وَقَتَلُوا كَثِيرًا، فَلَمَّا عَادَ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ زِيَادَةُ اللَّهِ وَوَصَلَهُمْ.
فَلَمَّا كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ زِيَادُ بْنُ سَهْلٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الصَّقْلِبِيَّةِ، وَجَمَعَ جَمْعًا كَثِيرًا، وَحَصَرَ مَدِينَةَ بَاجَةَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِ زِيَادَةُ اللَّهِ الْعَسَاكِرَ، فَأَزَالُوهُ عَنْهَا، وَقَتَلُوا مَنْ وَافَقَهُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ.
وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ نُقِلَ إِلَى زِيَادَةِ اللَّهِ أَنَّ مَنْصُورَ بْنَ نُصَيْرٍ الطُّنْبُذِيَّ يُرِيدُ الْمُخَالَفَةَ عَلَيْهِ بِتُونُسَ، وَهُوَ يَسْعَى فِي ذَلِكَ، وَيُكَاتِبُ الْجُنْدَ، فَلَمَّا تَحَقَّقَهُ سَيَّرَ إِلَيْهِ قَائِدًا اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخْفِيَ خَبَرَهُ، وَيَجِدَّ السَّيْرَ إِلَى تُونُسَ، فَلَا يَشْعُرُ بِهِ مَنْصُورٌ حَتَّى يَأْخُذَهُ فَيَحْمِلَهُ إِلَيْهِ.
فَسَارَ مُحَمَّدٌ وَدَخَلَ تُونُسَ، فَلَمْ يَجِدْ مَنْصُورًا بِهَا، كَانَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَى قَصْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute