بِطُنْبُذَةَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ قَاضِيَ تُونُسَ، وَمَعَهُ أَرْبَعُونَ شَيْخًا، يُقَبِّحُونَ لَهُ الْخِلَافَ، وَيَنْهَوْنَهُ عَنْهُ، وَيَأْمُرُونَهُ بِالطَّاعَةِ، فَسَارُوا إِلَيْهِ وَاجْتَمَعُوا بِهِ وَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَنْصُورٌ: مَا خَالَفْتُ طَاعَةَ الْأَمِيرِ، وَأَنَا سَائِرٌ مَعَكُمْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْأَمِيرِ، وَلَكِنْ أَقِيمُوا مَعِي يَوْمَنَا هَذَا، حَتَّى نَعْمَلَ لَهُ وَلِمَنْ مَعَهُ ضِيَافَةً.
فَأَقَامُوا عِنْدَهُ، وَسَيَّرَ مَنْصُورٌ لِمُحَمَّدٍ وَلِمَنْ مَعَهُ الْإِقَامَةَ الْحَسَنَةَ الْكَثِيرَةَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ مَا يُؤْكَلُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَقُولُ: إِنَّنِي صَائِرٌ إِلَيْكَ مَعَ الْقَاضِي وَالْجَمَاعَةِ. فَرَكَنَ مُحَمَّدٌ إِلَى ذَلِكَ، وَأَمَرَ بِالْغَنَمِ فَذُبِحَتْ، وَأَكَلَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، وَشَرِبُوا الْخَمْرَ.
فَلَمَّا أَمْسَى مَنْصُورٌ سَجَنَ الْقَاضِي وَمَنْ مَعَهُ، وَسَارَ مُجِدًّا فِيمَنْ عِنْدَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ سِرًّا إِلَى تُونُسَ، فَدَخَلُوا دَارَ الصِّنَاعَةِ وَفِيهَا مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ، فَأَمَرَ بِالطُّبُولِ فَضُرِبَتْ، وَكَبَّرَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، فَوَثَبَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى سِلَاحِهِمْ وَقَدْ عَمِلَ فِيهِمُ الشَّرَابُ، وَأَحَاطَ بِهِمْ مَنْصُورٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَقْبَلَتِ الْعَامَّةُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَرَجَمُوهُمْ بِالْحِجَارَةِ، وَاقْتَتَلُوا عَامَّةَ اللَّيْلِ، فَقُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ مِنْهُمْ إِلَّا مَنْ نَجَا إِلَى الْبَحْرِ، فَسَبَحَ حَتَّى تَخَلَّصَ، وَذَلِكَ فِي صَفَرٍ.
وَأَصْبَحَ مَنْصُورٌ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْجُنْدُ وَقَالُوا: نَحْنُ لَا نَثِقُ بِكَ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَخْلُبَكَ زِيَادَةُ اللَّهِ، وَيَسْتَمِيلَكَ بِدُنْيَاهُ فَتَمِيلَ إِلَيْهِ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَكُونَ مَعَكَ فَاقْتُلْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ مِمَّنْ عِنْدَكَ! فَأَحْضَرَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ سَالِمِ بْنِ عِقَالٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ زِيَادَةِ اللَّهِ، فَكَانَ هُوَ الْعَامِلُ عَلَى تُونُسَ، فَلَمَّا حَضَرَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ.
فَلَمَّا سَمِعَ زِيَادَةُ اللَّهِ الْخَبَرَ سَيَّرَ جَيْشًا كَثِيفًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ غَلْبُونَ، وَاسْمُهُ الْأَغْلَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَغْلَبِ، وَهُوَ وَزِيرُ زِيَادَةِ اللَّهِ، إِلَى مَنْصُورٍ الطُّنْبُذِيِّ، فَلَمَّا وَدَّعَهُمْ زِيَادَةُ اللَّهِ تَهَدَّدَهُمْ بِالْقَتْلِ إِنِ انْهَزَمُوا، فَلَمَّا وَصَلُوا إِلَى تُونُسَ خَرَجَ إِلَيْهِمْ مَنْصُورٌ، فَقَاتَلَهُمْ، فَانْهَزَمَ جَيْشُ زِيَادَةِ اللَّهِ عَاشِرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَالَ الْقُوَّادُ الَّذِينَ فِيهِ لِغَلْبُونَ: لَا نَأْمَنُ زِيَادَةَ اللَّهِ عَلَى أَنْفُسِنَا، فَإِنْ أَخَذْتَ لَنَا أَمَانًا حَضَرْنَا عِنْدَهُ. وَفَارَقُوهُ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى عِدَّةِ مُدُنٍ فَأَخَذُوهَا، مِنْهَا: بَاجَةُ، وَالْجَزِيرَةُ، وَصَطْفُورَةُ، وَمِسْرُ، وَالْأُرْبُسُ، وَغَيْرُهَا، فَاضْطَرَبَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute