للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِفْرِيقِيَّةُ، وَاجْتَمَعَ الْجُنْدُ كُلُّهُمْ إِلَى مَنْصُورٍ، أَطَاعُوهُ لِسُوءِ سِيرَةِ زِيَادَةِ اللَّهِ مَعَهُمْ.

فَلَمَّا كَثُرَ جَمْعُ مَنْصُورٍ سَارَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ فَحَصَرَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى، وَخَنْدَقَ عَلَى نَفْسِهِ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيَادَةِ اللَّهِ وَقَائِعُ كَثِيرَةٌ، وَعَمَّرَ مَنْصُورٌ سُورَ الْقَيْرَوَانِ [فَوَالَاهُ] أَهْلُهَا، فَبَقِيَ الْحِصَارُ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.

ثُمَّ إِنَّ زِيَادَةَ اللَّهِ عَبَّأَ أَصْحَابَهُ وَجَمَعَهُمْ، وَسَارَ مَعَهُمُ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ، فَكَانُوا خَلْقًا كَثِيرًا، فَلَمَّا رَآهُمْ مَنْصُورٌ رَاعَهُ مَا رَأَى وَهَالَهُ، وَلَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْ زِيَادَةِ اللَّهِ، لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْوَهْنِ، فَزَحَفَ مَنْصُورٌ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَيْضًا، فَالْتَقَوْا، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَانْهَزَمَ مَنْصُورٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَمَضَوْا هَارِبِينَ، وَقُتِلَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَذَلِكَ مُنْتَصَفَ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَأَمَرَ زِيَادَةُ اللَّهِ أَنْ يُنْتَقَمَ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ بِمَا جَنَوْهُ مِنْ مُسَاعَدَةِ مَنْصُورٍ وَالْقِتَالِ مَعَهُ، بِمَا تَقَدَّمَ أَوْلًا مِنْ مُسَاعَدَةِ عِمْرَانَ بْنِ مُجَالِدٍ لَمَّا قَاتَلَ أَبَاهُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْأَغْلَبِ، فَمَنَعَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، فَكَفَّ عَنْهُمْ، وَخَرَّبَ سُورَ الْقَيْرَوَانِ.

وَلَمَّا انْهَزَمَ مَنْصُورٌ فَارَقَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صَارُوا مَعَهُ، مِنْهُمْ: عَامِرُ بْنُ نَافِعٍ، وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ الْمُفَرِّجِ، إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي تَغَلَّبُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنَّ زِيَادَةَ اللَّهِ سَيَّرَ جَيْشًا، سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ، إِلَى مَدِينَةِ سَبِيبَةَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَغْلَبِ، وَكَانَ بِهَا جَمْعٌ مِنَ الْجُنْدِ الَّذِينَ صَارُوا مَعَ مَنْصُورٍ، عَلَيْهِمْ عُمَرُ بْنُ نَافِعٍ، فَالْتَقَوْا فِي الْعِشْرِينَ مِنَ الْمُحَرَّمِ، وَاقْتَتَلُوا، فَانْهَزَمَ ابْنُ الْأَغْلَبِ، وَعَادَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، فَعَظُمَ الْأَمْرُ عَلَى زِيَادَةِ اللَّهِ، وَجَمْعِ الرِّجَالِ وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ.

وَكَانَ عِيَالُ الْجُنْدِ الَّذِينَ مَعَ مَنْصُورٍ بِالْقَيْرَوَانِ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ زِيَادَةُ اللَّهِ، فَقَالَ الْجُنْدُ لِمَنْصُورٍ: الرَّأْيُ أَنْ تَحْتَالَ فِي نَقْلِ [الْعِيَالِ] مِنَ الْقَيْرَوَانِ لِنَأْمَنَ عَلَيْهِمْ. فَسَارَ بِهِمْ مَنْصُورٌ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، وَحَصَرَ زِيَادَةَ اللَّهِ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ قِتَالٌ، وَأَخْرَجَ الْجُنْدُ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، وَانْصَرَفَ مَنْصُورٌ إِلَى تُونُسَ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِ زِيَادَةِ اللَّهِ مِنْ إِفْرِيقِيَّةَ كُلِّهَا إِلَّا قَابِسُ، وَالسَّاحِلُ، وَنِفْزَاوَةُ، وَطَرَابُلُسُ، فَإِنَّهُمْ تَمَسَّكُوا بِطَاعَتِهِ.

وَأَرْسَلَ الْجُنْدُ إِلَى زِيَادَةِ اللَّهِ: أَنِ ارْحَلْ عَنَّا، وَخَلِّ إِفْرِيقِيَّةَ، وَلَكَ الْأَمَانُ عَلَى نَفْسِكَ وَمَالِكَ، وَمَنْ ضَمَّهُ قَصْرُكَ. فَضَاقَ بِهِ وَغَمَّهُ الْأَمْرُ، فَقَالَ لَهُ سُفْيَانُ بْنُ سَوَادَةَ: مَكِّنِي مِنْ عَسْكَرِكَ لِأَخْتَارَ مِنْهُمْ مِائَتَيْ فَارِسٍ، وَأَسِيرَ بِهِمْ إِلَى نِفْزَاوَةَ، فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَامِرَ بْنَ نَافِعٍ يُرِيدُ قَصْدَهُمْ، فَإِنْ ظَفِرْتُ كَانَ الَّذِي تُحِبُّ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَمِلْتَ بِرَأْيِكَ. فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>