فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ أَحْمَدُ حَضَرَ عِنْدَ أَشْنَاسَ، وَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمَأْمُونِ، وَالْقُوَّادِ، وَالْحَارِثِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، فَأَنْفَذَ أَشْنَاسَ، وَأَخَذَ الْحَارِثَ وَقَيَّدَهُ وَسَيَّرَهُ إِلَى الْمُعْتَصِمِ، وَكَانَ قَدْ تَقَدَّمَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى الْمُعْتَصِمِ أَخْبَرَهُ بِالْحَالِ جَمِيعِهِ، وَبِجَمِيعِ مَنْ بَايَعَهُمْ مِنَ الْقُوَّادِ وَغَيْرِهِمْ، فَأَطْلَقَهُ الْمُعْتَصِمُ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُصَدِّقْ عَلَى أُولَئِكَ الْقُوَّادِ لِكَثْرَتِهِمْ.
وَأَحْضَرَ الْمُعْتَصِمُ الْعَبَّاسَ بْنَ الْمَأْمُونِ وَسَقَاهُ حَتَّى سَكِرَ، وَحَلَّفَهُ أَنْ لَا يَكْتُمَهُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا، فَشَرَحَ لَهُ أَمْرَهُ كُلَّهُ مِثْلَ مَا شَرَحَ الْحَارِثُ، فَأَخَذَهُ وَقَيَّدَهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْأَفْشِينِ، فَحَبَسَهُ عِنْدَهُ.
وَتَتَبَّعَ الْمُعْتَصِمُ أُولَئِكَ الْقُوَّادَ، وَكَانُوا يُحْمَلُونَ فِي الطَّرِيقِ عَلَى بِغَالٍ بِأَكُفٍّ بِلَا وِطَاءٍ، وَأَخَذَ أَيْضًا الشَّاهَ بْنَ سَهْلٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ، فَقَالَ لَهُ الْمُعْتَصِمُ: يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ! أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ فَلَمْ تَشْكُرْ، فَقَالَ: ابْنُ الزَّانِيَةِ هَذَا، وَأَوْمَأَ إِلَى الْعَبَّاسِ، وَكَانَ حَاضِرًا، لَوْ تَرَكَنِي مَا كُنْتُ السَّاعَةَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْلِسَ هَذَا الْمَجْلِسَ، وَتَقُولَ هَذَا الْكَلَامَ! فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَدُفِعَ الْعَبَّاسُ إِلَى الْأَفْشِينِ.
فَلَمَّا نَزَلَ مَنْبِجَ طَلَبَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْمَأْمُونِ الطَّعَامَ، فَقُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ كَثِيرٌ، فَأَكَلَ، وَمُنِعَ الْمَاءَ، وَأُدْرِجَ فِي مَسْحٍ، فَمَاتَ بِمَنْبِجَ، وَصَلَّى عَلَيْهِ بَعْضُ إِخْوَتِهِ.
وَأَمَّا عُمَرُ الْفَرْغَانِيُّ فَلَمَّا وَصَلَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى نَصِيبِينَ حَفَرَ لَهُ بِئْرًا، وَأَلْقَاهُ فِيهَا وَطَمَّهَا عَلَيْهِ.
وَأَمَا عُجَيْفٌ فَمَاتَ بِبَاعَيْنَاثَا مِنْ بَلَدِ الْمَوْصِلِ، وَقِيلَ بَلْ أُطْعِمَ طَعَامًا كَثِيرًا، وَمُنِعَ الْمَاءَ، حَتَّى مَاتَ بِبَاعَيْنَاثَا.
وَتَتَبَّعَ جَمِيعَهُمْ، فَلَمْ يَمْضِ عَلَيْهِمْ إِلَّا أَيَّامٌ قَلَائِلُ حَتَّى مَاتُوا جَمِيعًا.
وَوَصَلَ الْمُعْتَصِمُ إِلَى سَامَرَّا سَالِمًا، فَسَمَّى الْعَبَّاسَ يَوْمئِذٍ اللَّعِينَ، وَأَخَذَ أَوْلَادَ الْمَأْمُونِ مِنْ سُنْدُسٍ، فَحَبَسَهُمْ فِي دَارِهِ حَتَّى مَاتُوا بَعْدُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute