الْأَرْزَاقَ، فَعَمِلْتُمْ آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَنَعْتُ نَفْسِي لَذَّتَهَا وَشَهْوَتَهَا إِرَادَةً لِصَلَاحِكُمْ وَرِضَاكُمْ، وَأَنْتُمْ تَزْدَادُونَ بَغْيًا وَفَسَادًا، فَعَادُوا وَتَضَرَّعُوا، وَسَأَلُوهُ الْعَفْوَ، فَقَالَ الْمُسْتَعِينُ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ وَرَضِيتُ.
فَقَالَ لَهُ أَحَدُهُمْ، وَاسْمُهُ بَابِي بِكَّ: فَإِنْ كُنْتَ قَدْ رَضِيتَ فَقُمْ فَارْكَبْ مَعَنَا إِلَى سَامَرَّا، فَإِنَّ الْأَتْرَاكَ يَنْتَظِرُونَكَ، فَأَمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَضَرَبَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: هَكَذَا يُقَالُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قُمْ فَارْكَبْ مَعَنَا! فَضَحِكَ الْمُسْتَعِينُ وَقَالَ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ عُجْمٌ لَا يَعْرِفُونَ حُدُودَ الْكَلَامِ.
وَقَالَ لَهُمُ الْمُسْتَعِينُ: تَرْجِعُونَ إِلَى سَامَرَّا، فَإِنَّ أَرْزَاقَكُمْ دَارَّةٌ عَلَيْكُمْ، وَأَنْظُرْ أَنَا فِي أَمْرِي، فَانْصَرَفُوا آيِسِينَ مِنْهُ، وَأَغْضَبَهُمْ مَا كَانَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى بَابِي بِكَّ، وَأَخْبَرُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ خَبَرَهُمْ، وَزَادُوا، وَحَرَّفُوا تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى خَلْعِهِ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى إِخْرَاجِ الْمُعْتَزِّ، (وَكَانَ هُوَ وَالْمُؤَيَّدُ فِي حَبْسِ الْجَوْسَقِ، وَعَلَيْهِمَا مَنْ يَحْفَظُهُمَا، فَأَخْرَجُوا الْمُعْتَزَّ) مِنَ الْحَبْسِ، وَأَخَذُوا مِنْ شَعْرِهِ، وَكَانَ قَدْ كَثُرَ، وَبَايَعُوا لَهُ بِالْخِلَافَةِ، وَأَمَرَ لِلنَّاسِ بِرِزْقِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمْ يَتِمَّ الْمَالُ، فَأُعْطُوا شَهْرَيْنِ لِقِلَّةِ الْمَالِ عِنْدَهُمْ.
وَكَانَ الْمُسْتَعِينُ خَلَّفَ بَيْتِ الْمَالِ بِسَامَرَّا فِيهِ نَحْوَ خَمْسِ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَفِي بَيْتِ مَالِ أُمِّ الْمُسْتَعِينِ قِيمَةَ أَلْفِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَفِي بَيْتِ مَالِ الْعَبَّاسِ قِيمَةَ سِتِّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ.
وَكَانَ فِيمَنْ أُحْضِرَ لِلْبَيْعَةِ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ الرَّشِيدِ وَبِهِ نِقْرِسٌ، فِي مِحَفَّةٍ مَحْمُولًا، فَأُمِرَ بِالْبَيْعَةِ فَامْتَنَعَ، وَقَالَ لِلْمُعْتَزِّ: خَرَجْتَ إِلَيْنَا طَائِعًا، فَخَلَعْتَهَا وَزَعَمْتَ أَنَّكَ لَا تَقُومُ بِهَا، فَقَالَ الْمُعْتَزُّ: أُكْرِهْتُ عَلَى ذَلِكَ، وَخِفْتُ السَّيْفَ. فَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ: مَا عَلِمْنَا أَنَّكَ أُكْرِهْتَ، وَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute