فَشَتَمَهُ النَّاسُ، وَعَلِمُوا بِمَا عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، فَعَبَرَتِ الْعَامَّةُ إِلَى الْجَزِيرَةِ الَّتِي حِذَاءَ دَارِهِ، فَشَتَمُوهُ أَقْبَحَ شَتْمٍ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى بَابِ دَارِهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَاتَلُوا مَنْ عَلَى بَابِهِ حَتَّى كَشَفُوهُمْ، وَدَخَلُوا دِهْلِيزَ دَارِهِ، وَأَرَادُوا إِحْرَاقَ دَارِهِ فَلَمْ يَجِدُوا نَارًا، وَبَاتَ مِنْهُمْ بِالْجَزِيرَةِ جَمَاعَةٌ يَشْتُمُونَهُ وَهُوَ يَسْمَعُ، فَلَمَّا ذَكَرُوا اسْمَ أُمِّهِ ضَحِكَ، وَقَالَ: مَا أَدْرِي كَيْفَ عَرَفُوهُ، وَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ جَوَارِي أَبِي لَا يَعْرِفُونَ اسْمَهَا. فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ، فَسَارَ مُحَمَّدٌ إِلَى الْمُسْتَعِينِ، وَسَأَلَهُ أَنْ يَطْلُعَ إِلَيْهِمْ وَيُسْكِتَهُمْ، فَفَعَلَ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُخْلَعْ، وَلَمْ أَتَّهِمْهُ، وَوَعَدَهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمُ الْجُمْعَةَ، فَانْصَرَفُوا.
ثُمَّ تَرَدَّدَتِ الرُّسُلُ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَبِي أَحْمَدَ مَعَ حَمَّادِ بْنِ إِسْحَاقَ (بْنِ حَمَّادِ) بْنِ يَزِيدَ، وَثَارَ قَوْمٌ مِنْ رَجَّالَةِ الْجُنْدِ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ، فَطَلَبَ الْجُنْدُ أَرْزَاقَهُمْ، وَشَكَتِ الْعَامَّةُ سُوءَ الْحَالِ، وَغَلَاءَ السِّعْرِ، وَقَالُوا: إِمَّا خَرَجْتَ، فَقَابَلْتَ، وَإِمَّا تَرَكْتَنَا، فَوَعَدَهُمُ الْخُرُوجَ، أَوْ فَتْحَ بَابِ الصُّلْحِ، ثُمَّ جَعَلَ عَلَى الْجُسُورِ وَبِالْجَزِيرَةِ وَبِبَابِ دَارِهِ الرِّجَالَ وَالْخَيْلَ، فَحَضَرَ الْجَزِيرَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ، فَطَرَدُوا مَنْ كَانَ بِهَا، وَقَاتَلُوا النَّاسَ.
وَأَرْسَلَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى الْجُنْدِ يَعِدُهُمْ رِزْقَ شَهْرَيْنِ، وَأَمَرَهُمْ بِالنُّزُولِ، فَأَبَوْا وَقَالُوا: لَا نَفْعَلُ حَتَّى نَعْلَمَ نَحْنُ وَالْعَامَّةُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ نَحْنُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ الْعَامَّةَ قَدِ اتَّهَمُوكَ بِخَلْعِ الْمُسْتَعِينِ، وَالْبَيْعَةِ لِلْمُعْتَزِّ، وَتَوْجِيهِكِ الْقُوَّادَ بَعْدَ الْقُوَّادِ، وَيَخَافُونَ دُخُولَ الْأَتْرَاكِ وَالْمَغَارِبَةِ إِلَيْهِمْ، فَإِنْ يَفْعَلُوا بِهِمْ كَمَا عَمِلُوا فِي الْمَدَائِنِ وَالْأَنْبَارِ، فَهُمْ يَخَافُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَسَأَلُوا إِخْرَاجَ الْخَلِيفَةِ إِلَيْهِمْ لِيَرَوْهُ وَيُكَذِّبُوا مَا بَلَغَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى مُحَمَّدٌ ذَلِكَ سَأَلَ الْمُسْتَعِينَ الْخُرُوجَ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ إِلَى دَارِ الْعَامَّةِ، وَدَخَلَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ النَّاسِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، وَخَرَجُوا، فَأَعْلَمُوا النَّاسَ الْخَبَرَ، فَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِذَلِكَ، فَأَمَرَ الْمُسْتَعِينُ بِإِغْلَاقِ الْأَبْوَابِ، وَصَعِدَ سَطْحَ دَارِ الْعَامَّةِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَعَهُ، فَرَآهُ النَّاسُ وَعَلَيْهِ الْبُرْدَةُ وَبِيَدِهِ الْقَضِيبُ، فَكَلَّمَ النَّاسَ، وَأَقْسَمَ عَلَيْهِمْ بِحَقِّ صَاحِبِ الْبُرْدَةِ إِلَّا انْصَرَفُوا (فَإِنَّهُ آمِنٌ) لَا بَأْسَ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ، فَسَأَلُوهُ الرُّكُوبَ مَعَهُمْ وَالْخُرُوجَ مِنْ دَارِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَهُ عَلَيْهِ، فَوَعَدَهُمْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute