فَلَمَّا رَأَى ابْنُ طَاهِرٍ فِعْلَهُمْ عَزَمَ عَلَى النَّقْلَةِ عَنْ بَغْدَادَ إِلَى الْمَدَائِنِ، فَأَتَاهُ وُجُوهُ النَّاسِ، وَسَأَلُوهُ الصَّفْحَ، وَاعْتَذَرُوا بِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْغَوْغَاءِ وَالسُّفَهَاءِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ رَدًّا جَمِيلًا.
وَانْتَقَلَ الْمُسْتَعِينُ عَنْ دَارِهِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَأَقَامَ بِدَارِ رِزْقٍ الْخَادِمِ بِالرُّصَافَةِ، وَسَارَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (بِالْحَرْبَةِ) ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالرُّصَافَةِ، فَأَمَرُوا الْقُوَّادَ وَبَنِي هَاشِمٍ بِالْمَسِيرِ إِلَى دَارِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْعَوْدِ مَعَهُ إِذَا رَكِبَ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَرَكِبَ مُحَمَّدٌ فِي جَمْعٍ وَتَعْبِئَةٍ، وَوَقَفَ لِلنَّاسِ وَعَاتَبَهُمْ، وَحَلَفَ أَنَّهُ مَا يُرِيدُ لِلْمُسْتَعِينِ، وَلَا لِوَلِيٍّ لَهُ، وَلَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ سُوءًا، وَأَنَّهُ مَا يُرِيدُ إِلَّا إِصْلَاحَ أَحْوَالِهِمْ، حَتَّى بَكَى (النَّاسُ) وَدَعَوْا لَهُ، (وَسَارَ إِلَى الْمُسْتَعِينِ) .
وَكَانَ ابْنُ طَاهِرٍ مُجِدًّا فِي أَمْرِ الْمُسْتَعِينِ، حَتَّى غَيَّرَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ، وَقَالَ لَهُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي تَنْصُرُهُ، وَتَجِدُّ فِي أَمْرِهِ، مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ نِفَاقًا، وَأَخْبَثِهِمْ دِينًا، وَاللَّهِ لَقَدْ أَمَرَ وَصِيفًا وَبُغَا بِقَتْلِكَ، فَاسْتَعْظَمَا ذَلِكَ وَلَمْ يَفْعَلَاهُ، وَإِنْ كُنْتَ شَاكًّا فِي قَوْلِي فَسَلْ تُخْبَرْهُ، وَإِنَّ مِنْ ظَاهِرِ نِفَاقِهِ أَنَّهُ كَانَ بِسَامَرَّا لَا يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي صَلَاتِهِ، فَلَمَّا صَارَ إِلَيْكَ جَهَرَ بِهَا مُرَاءَاةً لَكَ، وَتَرَكَ نُصْرَةَ وَلِيِّكَ، وَصِهْرِكَ، وَتَرْبِيَتِكَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامٍ كَلَّمَهُ بِهِ، فَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَخْزَى اللَّهُ هَذَا، مَا يَصْلُحُ لِدِينٍ وَلَا لِدُنْيَا! ثُمَّ ظَاهَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بِأَحْمَدَ بْنِ إِسْرَائِيلَ، وَالْحَسَنِ بْنِ مَخْلَدٍ.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى صَلَّى الْمُسْتَعِينُ بِالنَّاسِ، ثُمَّ حَضَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ الْمُسْتَعِينِ وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَالْقُضَاةِ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ كُنْتَ فَارَقْتَنِي عَلَى أَنْ تُنَفِّذَ أَمْرِي فِي كُلِّ مَا أَعْزِمُ عَلَيْهِ، وَخَطُّكَ عِنْدِي بِذَلِكَ، فَقَالَ الْمُسْتَعِينُ: أَحْضِرِ الرُّقْعَةَ، فَأَحْضَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute