للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذِكْرُ الصُّلْحِ، وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْخَلْعِ، فَقَالَ: نَعَمْ أُمْضِ الصُّلْحَ، فَخَرَجَ مُحَمَّدٌ إِلَى ظَاهِرِ بَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ، فَضُرِبَ لَهُ مَضْرِبٌ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَجَاءَ أَبُو أَحْمَدَ فِي سَمِيرِيَّةَ، فَصَعِدَ إِلَيْهِ، فَتَنَاظَرَا طَوِيلًا، ثُمَّ خَرَجَا، فَجَاءَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَى الْمُسْتَعِينِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَذَلَ لَهُ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ ثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ مُقَامَهُ بِالْمَدِينَةِ، يَتَرَدَّدُ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، وَيَخْلَعُ نَفْسَهُ مِنِ الْخِلَافَةِ، وَأَنْ يُعْطَى بُغَا وِلَايَةَ الْحِجَازِ جَمِيعِهِ، وَيُوَلَّى وَصِيفٌ الْجَبَلَ وَمَا وَالَاهُ، وَيَكُونُ ثُلْثُ مَا يُجْبَى مِنَ الْمَالِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجُنْدِ بَغْدَادَ، وَالثُّلْثَانِ لِلْمَوَالِي وَالْأَتْرَاكِ، فَامْتَنَعَ الْمُسْتَعِينُ مِنِ الْإِجَابَةِ إِلَى الْخَلْعِ، وَظَنَّ أَنَّ وَصِيفًا وَبُغَا مَعَهُ يُكَاشِفَانِ، فَقَالَ: النَّطْعُ وَالسَّيْفُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ طَاهِرٍ: أَمَّا أَنَا فَأَقْعُدُ، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْ خَلْعِهَا طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا! فَأَجَابَ إِلَى الْخَلْعِ.

وَكَانَ سَبَبُ إِجَابَتِهِ إِلَى الْخَلْعِ أَنَّ مُحَمَّدًا وَبُغًا وَوَصِيفًا لَمَّا نَاظَرُوهُ فِي الْخَلْعِ أَغْلَظَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ وَصِيفٌ: أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِ بَاغَرَ، فَصِرْنَا إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَنْتَ أَمَرْتَنَا بِقَتْلِ أُتَامِشَ، وَقُلْتَ إِنَّ مُحَمَّدًا لَيْسَ بِنَاصِحٍ، وَمَا زَالُوا يُفْزِعُونَهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ قُلْتَ لِي إِنَّ أَمْرَنَا لَا يَصْلُحُ إِلَّا بِاسْتِرَاحَتِنَا مِنْ هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَذْعَنَ بِالْخَلْعِ، وَكَتَبَ بِمَا أَرَادَ لِنَفْسِهِ مِنَ الشُّرُوطِ، وَذَلِكَ لِإِحْدَى عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.

وَجَمَعَ مُحَمَّدٌ الْفُقَهَاءَ وَالْقُضَاةَ، وَأَدْخَلَهُمْ عَلَى الْمُسْتَعِينِ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ صَيَّرَ أَمْرَهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، ثُمَّ أُخِذَ مِنْهُ جَوْهَرُ الْخِلَافَةِ.

وَبَعَثَ ابْنُ طَاهِرٍ إِلَى قُوَّادِهِ لِيُوَافُوهُ، وَمَعَ كُلِّ قَائِدٍ عَشَرَةُ نَفَرٍ مِنْ وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، فَأَتَوْهُ فَمَنَّاهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: مَا أَرَدْتُ بِمَا فَعَلْتُ إِلَّا صَلَاحَكُمْ وَحَقْنَ الدِّمَاءِ. وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمُعْتَزِّ فِي الشُّرُوطِ الَّتِي شَرَطَهَا الْمُسْتَعِينُ لِنَفْسِهِ وَلِقُوَّادِهِ، لِيُوَقِّعَ الْمُعْتَزُّ عَلَيْهَا بِخَطِّهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ إِلَى الْمُعْتَزِّ، فَمَضَوْا إِلَيْهِ، فَأَجَابَ إِلَى مَا طَلَبُوا، وَوَقَّعَ عَلَيْهِ بِخَطِّهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>