وَهُوَ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحِ.
وَأَخَذَ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ الْغَنَائِمَ، وَأَخَذُوا السُّفُنَ، وَعَبَرُوا إِلَى سُفُنٍ كَانَتْ لِلزَّنْجِ فَأَحْرَقُوهَا، وَتَفَرَّقَ الزَّنْجُ عَنْ يَحْيَى بَقِيَّةَ نَهَارِهِمْ، فَلَمَّا رَأَى (تَفَرُّقَهُمْ رَكِبَ سُمَيْرِيَّةً، وَأَخَذَ مَعَهُ طَبِيبًا لِأَجْلِ الْجِرَاحِ، وَسَارَ فِيهَا، فَرَأَى) الْمَلَّاحُونَ سُمَيْرِيَّاتِ السُّلْطَانِ، فَخَافُوا، فَأَلْقَوْا يَحْيَى وَمَنْ مَعَهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَمَشَى وَهُوَ مُثْقَلٌ، وَقَامَ الطَّبِيبُ الَّذِي مَعَهُ فَأَتَى أَصْحَابَ السُّلْطَانِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ.
فَأَخَذُوهُ وَحَمَلُوهُ إِلَى أَبِي أَحْمَدَ، فَحَمَلَهُ أَبُو أَحْمَدَ إِلَى سَامَرَّا، فَقُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ، ثُمَّ قُتِلَ، فَجَزِعَ الْخَبِيثُ، وَالزُّنُوجُ عَلَيْهِ جَزَعًا كَبِيرًا، وَقَالَ لَهُمْ: لَمَّا قُتِلَ يَحْيَى اشْتَدَّ جَزَعِي عَلَيْهِ، فَخُوطِبْتُ أَنَّ قَتْلَهُ كَانَ خَيْرًا لَكَ، إِنَّهُ كَانَ شَرِهًا.
ذِكْرُ عَوْدِ أَبِي أَحْمَدَ إِلَى وَاسِطَ
وَفِيهَا انْحَازَ أَبُو أَحْمَدَ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى وَاسِطَ ; وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا سَارَ إِلَى نَهْرِ أَبِي الْأَسَدِ كَثُرَتِ الْأَمَرَاضُ فِي أَصْحَابِهِ، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْمَوْتُ، فَرَجَعَ إِلَى بَاذَاوَرْدَ فَأَقَامَ بِهَا، وَأَمَرَ بِتَجْدِيدِ الْآلَاتِ، وَإِعْطَاءِ الْجُنْدِ أَرْزَاقَهُمْ، وَإِصْلَاحِ السُّمَيْرِيَّاتِ وَالشَّذَا، وَشَحَنَهَا بِالْقُوَّادِ، وَعَادَ إِلَى عَسْكَرِ صَاحِبِ الزَّنْجِ، وَأَمَرَ جَمَاعَةً مِنْ قُوَّادِهِ بِقَصْدِ مَوَاضِعَ سَمَّاهَا مِنْ نَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ وَغَيْرِهِ، وَبَقِيَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَمَالَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ، حِينَ الْتَقَى النَّاسُ وَنَشِبَتِ الْحَرْبُ، إِلَى نَهْرِ أَبِي الْخَصِيبِ، وَبَقِيَ أَبُو أَحْمَدَ فِي قِلَّةِ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَزَلْ عَنْ مَوْضِعِهِ خَوْفًا أَنْ يَطْمَعَ الزَّنْجُ.
وَلَمَّا رَأَى الزَّنْجُ قِلَّةَ مَنْ مَعَهُ طَمِعُوا فِيهِ، وَكَثُرُوا عَلَيْهِ، وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ عِنْدَهُ، وَكَثُرَ الْقَتْلُ وَالْجِرَاحُ، وَأَحْرَقَ أَصْحَابُ أَبِي أَحْمَدَ مَنَازِلَ الزُّنُوجِ، وَاسْتَنْقَذُوا مِنَ النِّسَاءِ جَمْعًا كَثِيرًا، ثُمَّ أَلْقَى الزَّنْجُ جِدَّهُمْ نَحْوَهُ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو أَحْمَدَ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْحَزْمَ فِي الْمُحَاجَزَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالرُّجُوعِ إِلَى سُفُنِهِمْ عَلَى مَهَلٍ وَتُؤَدَةٍ.
(وَاقْتَطَعَ الزَّنْجُ) طَائِفَةً مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَاتَلُوهُمْ، فَقَتَلُوا مِنَ الزَّنْجِ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ قُتِلُوا جَمِيعُهُمْ، وَحُمِلَتْ رُءُوسُهُمْ إِلَى قَائِدِ الزَّنْجِ، وَهِيَ مِائَةُ رَأْسٍ وَعَشْرَةُ أَرْؤُسٍ، فَزَادَ ذَلِكَ فِي عُتُوِّهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute