فَأَفْسَدُوا مَا بَيْنَهُمَا، فَقَصَدَهُ نَصْرٌ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَأَرْسَلَ إِسْمَاعِيلُ حَمَّوَيْهِ بْنَ عَلِيٍّ إِلَى رَافِعِ بْنِ هَرْثَمَةَ يَسْتَنْجِدُهُ، فَسَارَ إِلَيْهِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ، فَوَافَى بُخَارَى، قَالَ حَمَّوَيْهِ: فَفَكَّرْتُ فِي نَفْسِي، وَقُلْتُ: إِنْ ظَفِرَ إِسْمَاعِيلُ بِأَخِيهِ فَمَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَقْبِضَ رَافِعٌ عَلَى إِسْمَاعِيلَ، وَيَتَغَلَّبَ عَلَى مَا وَرَاءَ النَّهْرِ؟
وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَوَفَّى لِإِسْمَاعِيلَ، فَلَا يَزَالُ إِسْمَاعِيلُ مُعْتَرِفًا بِأَنَّهُ فَقِيدُ رَافِعٍ وَجَرِيحُهُ، وَيَحْتَاجُ [أَنْ] يَتَصَرَّفَ عَلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، فَاجْتَمَعْتُ بِرَافِعٍ خَلْوَةً، وَقُلْتُ لَهُ: نَصِيحَتُكَ وَاجِبَةٌ عَلَيَّ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي مِنْ نَصْرٍ، وَإِسْمَاعِيلَ مَا كَانَ خَفِيًّا عَنِّي، وَلَسْتُ آمَنُهُمَا عَلَيْكَ، وَالرَّأْيُ أَنْ لَا تُشَاهِدَ الْحَرْبَ، وَتَحْمِلَهُمَا (عَلَى الصُّلْحِ ; فَقَبِلَ ذَلِكَ، فَتَصَالَحَا، وَانْصَرَفَ عَنْهُمَا.
قَالَ حَمَّوَيْهِ: ثُمَّ إِنَّنِي أَعْلَمْتُ إِسْمَاعِيلَ) ، بَعْدَ ذَلِكَ الْحَالِ كَيْفَ كَانَ، فَعَذَرَ رَافِعًا فِي إِلْزَامِهِ بِالصُّلْحِ، وَاسْتَصْوَبَ فِعْلَ حَمَّوَيْهِ، بَقِيَ نَصْرٌ وَإِسْمَاعِيلُ مُدَّةً، ثُمَّ عَادَتِ السُّعَاةُ، فَفَسَدَ مَا بَيْنَهُمَا، حَتَّى تَحَارَبَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، فَظَهَرَ إِسْمَاعِيلُ بِأَخِيهِ نَصْرٍ، فَلَمَّا حَمَلَ إِلَيْهِ تَرَجَّلَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ، وَقَبَّلَ يَدَيْهِ، وَرَدَّهُ مِنْ مَوْضِعِهِ إِلَى سَمَرْقَنْدَ، وَتَصَرَّفَ عَلَى النِّيَابَةِ عَنْهُ بِبُخَارَى.
وَكَانَ إِسْمَاعِيلُ خَيِّرًا، يُحِبُّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، وَيُكْرِمُهُمْ، وَبِبَرَكَتِهِمْ دَامَ مُلْكُهُ وَمُلْكُ أَوْلَادِهِ وَطَالَتْ أَيَّامُهُمْ.
حَكَى أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْعَمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْأَمِيرَ أَبَا إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَحْمَدَ يَقُولُ: كُنْتُ بِسَمَرْقَنْدَ، فَجَلَسْتُ يَوْمًا لِلْمَظَالِمِ، وَجَلَسَ أَخِي إِسْحَاقُ إِلَى جَانِبِي، فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ، فَقُمْتُ لَهُ إِجْلَالًا لِعِلْمِهِ وَدِينِهِ، فَلَمَّا خَرَجَ عَاتَبَنِي أَخِي إِسْحَاقُ، وَقَالَ: أَنْتَ أَمِيرُ خُرَاسَانَ، يَدْخُلُ عَلَيْكَ رَجُلٌ مَنْ رَعِيَّتِكَ فَتَقُومُ لَهُ، فَتَذْهَبُ السِّيَاسَةُ بِهَذَا.
قَالَ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْمَنَامِ وَكَأَنِّي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute