قَدْ شَرِبَ عَلَى الشَّطِّ فِي الْحَسَنِيِّ بِبَغْدَاذَ، يَوْمَ الْأَحَدِ، شَرَابًا كَثِيرًا، وَتَعَشَّى فَأَكْثَرَ، فَمَاتَ لَيْلًا، وَأَحْضَرَ الْمُعْتَضِدُ الْقُضَاةَ وَأَعْيَانَ النَّاسِ، فَنَظَرُوا إِلَيْهِ، وَحُمِلَ إِلَى سَامَرَّا فَدُفِنَ بِهَا.
وَكَانَ عُمْرُهُ خَمْسِينَ سَنَةٍ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ أَسَنَّ مِنَ الْمُوَفَّقِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ.
وَكَانَ فِي خِلَافَتِهِ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، قَدْ تَحَكَّمَ عَلَيْهِ أَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ الْمُوَفَّقُ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ، حَتَّى إِنَّهُ احْتَاجَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، إِلَى ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلَمْ يَجِدْهَا ذَلِكَ الْوَقْتَ، فَقَالَ:
أَلَيْسَ فِي الْعَجَائِبِ أَنَّ مِثْلِي ... يَرَى مَا قَلَّ مُمْتَنِعًا عَلَيْهِ
وَتُؤْخَذُ بِاسْمِهِ الدُّنْيَا جَمِيعًا ... وَمَا مِنْ ذَاكَ شَيْءٌ فِي يَدَيْهِ
إِلَيْهِ تُحْمَلُ الْأَمْوَالُ طُرًّا ... وَيُمْنَعُ بَعْضَ مَا يُجْبَى إِلَيْهِ
وَكَانَ أَوَّلُ الْخُلَفَاءِ انْتَقَلَ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى، مُذْ بُنِيَتْ، ثُمَّ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ.
ذِكْرُ خِلَافَةِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمُعْتَضِدِ
وَفِي صَبِيحَةِ اللَّيْلَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا الْمُعْتَمِدُ بُويِعَ لِأَبِي الْعَبَّاسِ الْمُعْتَضِدِ بِاللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ الْمُوَفَّقِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ الْمُتَوَكِّلِ بِالْخِلَافَةِ، فَوَلَّى غُلَامَهُ بَدْرًا الشُّرْطَةَ، وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ الْوِزَارَةَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الشَّاهْ بْنِ مَالِكٍ الْحَرَسَ.
وَوَصَلَهُ فِي شَوَّالٍ رَسُولُ عَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ وَمَعَهُ هَدَايَا كَثِيرَةٌ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ خُرَاسَانَ، فَعَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا، وَسَيَّرَ إِلَيْهِ الْخِلَعَ، وَاللِّوَاءَ، وَالْعَهْدَ، فَنَصَبَ اللِّوَاءَ فِي دَارِهِ ثَلَاثَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute