للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُمْكِنْهُ مُخَالَفَةُ بَدْرٍ إِذْ كَانَ صَاحِبَ الْجَيْشِ، وَحَقَدَهَا عَلَى بَدْرٍ، فَلَمَّا مَاتَ الْمُعْتَضِدُ كَانَ بَدْرٌ بِفَارِسَ، فَعَقَدَ الْقَاسِمُ الْبَيْعَةَ لِلْمُكْتَفِي وَهُوَ بِالرَّقَّةِ.

وَكَانَ الْمُكْتَفِي أَيْضًا مُبَاعِدًا لِبَدْرٍ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَعَمِلَ الْقَاسِمُ فِي هَلَاكِ بَدْرٍ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْكُرَ مَا كَانَ مِنْهُ لِلْمُكْتَفِي. فَوَّجَهَ الْمُكْتَفِي مُحَمَّدَ بْنَ كَشْتِمُرَ بِرَسَائِلَ إِلَى الْقُوَّادِ الَّذِينَ مَعَ بَدْرٍ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ وَمُفَارَقَةِ بَدْرٍ، فَفَارَقَهُ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَمْرٍو الْغَنَوِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ كُنْدَاجَ، وَخَاقَانُ الْمُفْلِحِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِمُ الْمُكْتَفِي.

وَسَارَ بَدْرٌ إِلَى وَاسِطَ، فَوَكَّلَ الْمُكْتَفِي بِدَارِهِ، وَقَبَضَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَقُوَّادِهِ، وَحَبَسَهُمْ وَأَمَرَ بِمَحْوِ بَدْرٍ مِنَ التِّرَاسِ، وَالْأَعْلَامِ، وَسَيَّرَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ كَوْرَةَ فِي جَيْشِ وَاسِطَ.

وَأَرْسَلَ إِلَى بَدْرٍ يَعْرِضُ عَلَيْهِ أَيَّ النَّوَاحِي شَاءَ، فَأَبَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا بُدَّ لِي مِنَ الْمَسِيرِ إِلَى بَابِ مَوْلَايَ ; فَوَجَدَ الْقَاسِمُ مَسَاغًا لِلْقَوْلِ، وَخَوَّفَ الْمُكْتَفِي غَائِلَتَهُ، وَبَلَغَ بَدْرًا مَا فُعِلَ بِأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَأَرْسَلَ مَنْ يَأْتِيهِ بِوَلَدِهِ هِلَالٍ سِرًّا، فَعَلِمَ الْوَزِيرُ بِذَلِكَ فَاحْتَاطَ عَلَيْهِ وَدَعَا أَبَا حَازِمٍ قَاضِيَ الشَّرْقِيَّةِ، وَأَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى بَدْرٍ، وَتَطْيِيبِ نَفْسِهِ عَلَى الْمُكْتَفِي، وَإِعْطَائِهِ الْأَمَانَ عَنْهُ لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَازِمٍ: أَحْتَاجُ إِلَى سَمَاعِ ذَلِكَ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ; فَصَرَفَهُ، وَدَعَا أَبَا عُمَرَ الْقَاضِيَ، وَأَمَرَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ، وَسَارَ وَمَعَهُ كِتَابُ الْأَمَانِ. فَسَارَ بَدْرٌ عَنْ وَاسِطَ نَحْوَ بَغْدَاذَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْوَزِيرُ مَنْ قَتَلَهُ، فَلَمَّا أَيْقَنَ بِالْقَتْلِ سَأَلَ أَنْ يُمْهَلَ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّاهُمَا ثُمَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ. ثُمَّ أُخِذَ رَأْسُهُ وَتُرِكَتْ جُثَّتُهُ هُنَالِكَ، فَوَجَّهَ عِيَالُهُ مَنْ أَخَذَهَا سِرًّا وَجَعَلُوهَا فِي تَابُوتٍ. فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْحَجِّ حَمَلُوهَا إِلَى مَكَّةَ فَدَفَنُوهَا بِهَا وَكَانَ أَوْصَى بِذَلِكَ، وَأَعْتَقَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ كُلَّ مَمْلُوكٍ كَانَ لَهُ.

وَرَجَعَ أَبُو عُمَرَ الْقَاضِي إِلَى دَارِهِ كَئِيبًا حَزِينًا لِمَا كَانَ مِنْهُ، وَقَالَ النَّاسُ فِيهِ أَشْعَارًا وَتَكَلَّمُوا فِيهِ، فَمِمَّا قِيلَ فِيهِ.

قُلْ لِقَاضِي مَدِينَةِ الْمَنْصُورِ بِمَ أَحْلَلْتَ أَخْذَ رَأْسِ الْأَمِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>