وَكَانَ مُؤْنِسٌ فِي الرَّاشِدِيَّةِ لَمْ يَشْهَدِ الْحَرْبَ، فَلَمَّا حُمِلَ رَأْسُ الْمُقْتَدِرِ إِلَيْهِ بَكَى، وَلَطَمَ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ، وَقَالَ: يَا مُفْسِدُونَ! مَا هَكَذَا أَوْصَيْتُكُمْ، وَقَالَ: قَتَلْتُمُوهُ، وَكَانَ هَذَا آخِرَ أَمْرِهِ، وَاللَّهِ لَنُقْتَلَنَّ كُلُّنَا، وَأَقَلُّ مَا فِي الْأَمْرِ أَنَّكُمْ تُظْهِرُونَ أَنَّكُمْ قَتَلْتُمُوهُ خَطَأً، وَلَمْ تَعْرِفُوهُ.
وَتَقَدَّمَ مُؤْنِسٌ إِلَى الشَّمَّاسِيَّةِ، وَأَنْفَذَ إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ مَنْ يَمْنَعُهَا مِنَ النَّهْبِ، وَمَضَى عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْمُقْتَدِرِ، وَهَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَاقُوتٍ، وَابْنَا رَائِقٍ إِلَى الْمَدَائِنِ، وَكَانَ مَا فَعَلَهُ مُؤْنِسٌ سَبَبًا لِجُرْأَةِ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ (عَلَى) الْخُلَفَاءِ وَطَمَعِهِمْ فِيمَا لَمْ يَكُنْ يَخْطُرُ لَهُمْ عَلَى بَالٍ، وَانْخَرَقَتِ الْهَيْبَةُ وَضَعُفَ أَمْرُ الْخِلَافَةِ حَتَّى صَارَ الْأَمْرُ إِلَى مَا نَحْكِيهِ.
عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِرَ أَهْمَلَ مِنْ أَحْوَالِ الْخِلَافَةِ كَثِيرًا، وَحَكَّمَ فِيهَا النِّسَاءَ وَالْخَدَمَ، وَفَرَّطَ فِي الْأَمْوَالِ، وَعَزَلَ مِنَ الْوُزَرَاءِ وَوَلَّى مِمَّا أَوْجَبَ طَمَعَ أَصْحَابِ الْأَطْرَافِ وَالنُّوَّابَ، وَخُرُوجَهَمْ عَنِ الطَّاعَةِ.
وَكَانَ جُمْلَةُ مَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ، تَبْذِيرًا وَتَضْيِيعًا فِي غَيْرِ وَجْهٍ، نَيِّفًا وَسَبْعِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ، سِوَى مَا أَنْفَقَهُ فِي الْوُجُوهِ الْوَاجِبَةِ، وَإِذَا اعْتَبَرْتَ أَحْوَالَ الْخِلَافَةِ فِي أَيَّامِهِ وَأَيَّامِ أَخِيهِ الْمُكْتَفِي وَوَالِدِهِ الْمُعْتَضِدِ، رَأَيْتَ بَيْنَهُمْ تَفَاوُتًا بَعِيدًا، وَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ عُمْرُهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَنَحْوًا مِنْ شَهْرَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute