للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَطَّهُ بِذَلِكَ وَاسْتَقَرَّتِ الْخِلَافَةُ لَهُ، (وَبَايَعَهُ النَّاسُ) ، وَاسْتَوْزَرَ أَبَا عَلِيِّ بْنَ مُقْلَةَ، وَكَانَ بِفَارِسَ، فَاسْتَقْدَمَهُ، وَوَزَرَ لَهُ، وَاسْتَحْجَبَ الْقَاهِرُ عَلِيَّ بْنَ بُلَيْقٍ، وَتَشَاغَلَ الْقَاهِرُ بِالْبَحْثِ عَمَّنِ اسْتَتَرَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُقْتَدِرِ وَحُرَمِهِ، وَبِمُنَاظَرَةِ وَالِدَةِ الْمُقْتَدِرِ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً قَدِ ابْتَدَأَ بِهَا الِاسْتِسْقَاءُ، وَقَدْ زَادَ مَرَضُهَا بِقَتْلِ ابْنِهَا، وَلَمَّا سَمِعَتْ أَنَّهُ بَقِيَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ جَزِعَتْ جَزَعًا شَدِيدًا، وَامْتَنَعَتْ عَنِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ حَتَّى كَادَتْ تَهْلِكُ، فَوَعَظَهَا النِّسَاءُ حَتَّى أَكَلَتْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ الْخُبْزِ وَالْمِلْحِ.

ثُمَّ أَحْضَرَهَا الْقَاهِرُ عِنْدَهُ، وَسَأَلَهَا عَنْ مَالِهَا، فَاعْتَرَفَتْ لَهُ بِمَا عِنْدَهَا مِنَ الْمَصُوغِ وَالثِّيَابِ، وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ وَالْجَوْهَرِ، فَضَرَبَهَا أَشَدَّ مَا يَكُونُ مِنَ الضَّرْبِ، وَعَلَّقَهَا بِرِجْلِهَا، وَضَرَبَ الْمَوَاضِعَ الْغَامِضَةَ مِنْ بَدَنِهَا، فَحَلَفَتْ أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ غَيْرَ مَا أَطْلَعَتْهُ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: لَوْ كَانَ عِنْدِي مَالٌ لَمَا أَسْلَمْتُ وَلَدِي لِلْقَتْلِ، وَلَمْ تَعْتَرِفْ بِشَيْءٍ.

وَصَادَرَ جَمِيعَ حَاشِيَةِ الْمُقْتَدِرِ وَأَصْحَابَهُ، وَأَخْرَجَ الْقَاهِرُ وَالِدَةَ الْمُقْتَدِرِ لِتُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهَا الْقُضَاةَ وَالْعُدُولَ بِأَنَّهَا قَدْ حَلَّتْ أَوْقَافَهَا، وَوَكَّلَتْ فِي بَيْعِهَا، فَامْتَنَعَتْ عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: قَدْ أَوْقَفْتُهَا عَلَى أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالْقُرَبِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالثُّغُورِ، وَعَلَى الضَّعْفَى وَالْمَسَاكِينِ، وَلَا أَسْتَحِلُّ حِلَّهَا وَلَا بَيْعَهَا وَإِنَّمَا أُوَكِّلُ عَلَى بَيْعِ أَمْلَاكِي.

فَلَمَّا عَلِمَ الْقَاهِرُ بِذَلِكَ أَحْضَرَ الْقَاضِيَ وَالْعُدُولَ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ حَلَّ وُقُوفَهَا جَمِيعَهَا، وَوَكَّلَ فِي بَيْعِهَا، فَبِيعَ ذَلِكَ جَمِيعُهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَاشْتَرَاهُ الْجُنْدُ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ، وَتَقَدَّمَ الْقَاهِرُ بِكَبْسِ الدُّورِ الَّتِي سُعِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ اخْتَفَى فِيهَا وَلَدُ الْمُقْتَدِرِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ وَجَدُوا مِنْهُمْ أَبَا الْعَبَّاسِ الرَّاضِيَ، وَهَارُونَ، وَعَلِيًّا، وَالْعَبَّاسَ، وَإِبْرَاهِيمَ، وَالْفَضْلَ، فَحُمِلُوا إِلَى دَارِ الْخَلِيفَةِ فَصُودِرُوا عَلَى مَالٍ كَثِيرٍ، وَسَلَّمَهُمْ عَلِيُّ بْنُ بُلَيْقٍ إِلَى كَاتِبِهِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>