إِلَى أَصْبَهَانَ لِيَتَوَلَّاهَا، وَإِعَادَةُ مَرْدَاوَيْجَ أَخَاهُ وَشْمَكِيرَ إِلَيْهَا، وَمَلَكَ عَلِيُّ بْنُ بُوَيْهِ أَرَّجَانَ، هَذَا جَمِيعُهُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ الْقَرِيبَةِ فِي سَبْعِينَ يَوْمًا، فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ، يُصَرِّفُ الْأُمُورَ كَيْفَ يَشَاءُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ.
ذِكْرُ قَتْلِ هَارُونَ بْنِ غَرِيبٍ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ هَارُونُ بْنُ غَرِيبٍ، وَكَانَ سَبَبُ قَتْلِهِ أَنَّهُ كَانَ - كَمَا ذَكَرْنَا - قَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْقَاهِرُ عَلَى مَاهِ الْكُوفَةِ، وَقَصَبَتِهَا الدِّيْنَوَرِ، وَعَلَى مَاسَبَذَانَ وَغَيْرِهَا، فَلَمَّا خُلِعَ الْقَاهِرُ وَاسْتُخْلِفَ الرَّاضِي، رَأَى هَارُونُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِالدَّوْلَةِ مِنْ غَيْرِهِ ; لِقَرَابَتِهِ مِنَ الرَّاضِي، حَيْثُ هُوَ ابْنُ خَالِ الْمُقْتَدِرِ، فَكَاتَبَ الْقُوَّادَ بِبَغْدَاذَ يَعِدُهُمُ الْإِحْسَانَ وَالزِّيَادَةَ فِي الْأَرْزَاقِ، ثُمَّ سَارَ مِنَ الدِّينَوَرِ إِلَى خَانِقَيْنَ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ مُقْلَةَ وَابْنِ يَاقُوتٍ وَالْحَجَرِيَّةِ وَالسَّاجِيَّةِ، وَاجْتَمَعُوا وَشَكَوْهُ إِلَى الرَّاضِي، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ كَارِهٌ لَهُ، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي مَنْعِهِ، فَرَاسَلُوهُ أَوَّلًا، وَبَذَلُوا لَهُ طَرِيقَ خُرَاسَانَ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي يَدِهِ، فَلَمْ يَقْنَعْ بِهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَى النَّهْرَوَانِ، وَشَرَعَ فِي جِبَايَةِ الْأَمْوَالِ، وَظَلَمَ النَّاسَ وَعَسَفَهُمْ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَاقُوتٍ فِي سَائِرِ جُيُوشِ بَغْدَاذَ، وَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُ، وَوَقَعَتِ الطَّلَائِعُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَهَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يَاقُوتٍ إِلَى هَارُونَ، وَرَاسَلَهُ مُحَمَّدُ يَسْتَمِيلُهُ، وَيَبْذُلُ لَهُ، فَلَمْ يُجِبْ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ بَغْدَاذَ.
فَلَمَّا كَانَ (يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ) لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، تَزَاحَفَ الْعَسْكَرَانِ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ، وَاسْتَظْهَرَ أَصْحَابُ هَارُونَ لِكَثْرَتِهِمْ، فَانْهَزَمَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ ابْنِ يَاقُوتٍ وَنُهِبَ أَكْثَرُ سَوَادِهِمْ، وَكَثُرَ فِيهِمُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ، فَسَارَ مُحَمَّدُ بْنُ يَاقُوتٍ حَتَّى قَطَعَ قَنْطَرَةَ نَهْرِ بِينَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ هَارُونَ، فَسَارَ نَحْوَ الْقَنْطَرَةِ مُنْفَرِدًا عَنْ أَصْحَابِهِ، طَمَعًا فِي قَتْلِ مُحَمَّدِ بْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute