ثُمَّ أَنْفَذَ الْبَرِيدِيُّ غُلَامَهُ إِقْبَالًا فِي أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَأَمَرَهُمْ بِالْمَقَامِ بِحِصْنِ مَهْدِيٍّ إِلَى أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ، فَلَمَّا عَلِمَ ابْنُ يَزْدَادَ بِهِمْ، قَامَتْ قِيَامَتُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلِمَ أَنَّ الْبَرِيدِيَّ يُرِيدُ التَّغَلُّبَ عَلَى الْبَصْرَةِ، وَإِلَّا لَوْ كَانَ يُرِيدُ التَّصَرُّفَ فِي ضَمَانِهِ، لَكَانَ يَكْفِيهِ عَامِلٌ فِي جَمَاعَتِهِ.
وَأَمَرَ الْبَرِيدِيُّ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ مَا كَانَ ابْنُ يَزْدَادَ يَأْخُذُهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، حَتَّى اطْمَأَنُّوا، وَقَاتَلُوا مَعَهُ عَسْكَرَ ابْنِ رَائِقٍ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِمْ، فَعَمِلَ بِهِمْ أَعْمَالًا تَمَنَّوْا [مَعَهَا] أَيَّامَ ابْنِ رَائِقٍ وَعَدُّوهَا أَعْيَادًا.
ذِكْرُ ظُهُورِ الْوَحْشَةِ بَيْنَ ابْنِ رَائِقٍ وَالْبَرِيدِيِّ، وَالْحَرْبِ بَيْنَهُمَا
فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَيْضًا ظَهَرَتِ الْوَحْشَةُ بَيْنَ ابْنِ رَائِقٍ وَالْبَرِيدِيِّ، وَكَانَ لِذَلِكَ عِدَّةُ أَسْبَابٍ مِنْهَا: أَنَّ ابْنَ رَائِقٍ لَمَّا عَادَ مِنْ وَاسِطَ إِلَى بَغْدَاذَ، أَمَرَ بِظُهُورِ مَنِ اخْتَفَى مِنَ الْحَجَرِيِّينَ، فَظَهَرُوا، فَاسْتَخْدَمَ مِنْهُمْ نَحْوَ أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَأَمَرَ الْبَاقِينَ بِطَلَبِ الرِّزْقِ أَيْنَ أَرَادُوا، فَخَرَجُوا مِنْ بَغْدَاذَ، وَاجْتَمَعُوا بِطَرِيقِ خُرَاسَانَ، ثُمَّ سَارُوا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، فَأَكْرَمَهُمْ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، وَذَمَّ ابْنَ رَائِقٍ وَعَابَهُ، وَكَتَبَ إِلَى بَغْدَاذَ يَعْتَذِرُ عَنْ قَبُولِهِمْ، وَيَقُولُ: إِنَّنِي خِفْتُهُمْ، فَلِهَذَا قَبِلْتُهُمْ، وَجَعَلَهُمْ طَرِيقًا إِلَى قَطْعِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ، وَذُكِرَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا مَعَ الْجَيْشِ الَّذِي عِنْدَهُ وَمَنَعُوهُ مِنْ حَمْلِ الْمَالِ (الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ) ، فَأَنْفَذَ إِلَيْهِ ابْنُ رَائِقٍ يُلْزِمُهُ بِإِبْعَادِ الْحَجَرِيَّةِ، فَاعْتَذَرَ وَلَمْ يَفْعَلْ.
وَمِنْهَا ابْنُ رَائِقٍ بَلَغَهُ مَا ذَمَّهُ بِهِ ابْنُ الْبَرِيدِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَسَاءَهُ ذَلِكَ، وَبَلَغَهُ مَقَامُ إِقْبَالٍ فِي جَيْشِهِ بِحِصْنِ مَهْدِيٍّ، فَعَظُمَ عَلَيْهِ، وَاتَّهَمَ الْكُوفِيَّ بِمُحَابَاةِ الْبَرِيدِيِّ، وَأَرَادَ عَزْلَهُ، فَمَنَعَهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ، وَكَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ عِنْدَ ابْنِ رَائِقٍ، فَأَمَرَ الْكُوفِيَّ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى الْبَرِيدِيِّ يُعَاتِبُهُ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَيَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ عَسْكَرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute