مِنْ حِصْنِ مَهْدِيٍّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَأَجَابَ بِأَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ يُخْفُونَ الْقَرَامِطَةَ، وَابْنُ يَزْدَادَ عَاجِزٌ عَنْ حِمَايَتِهِمْ، وَقَدْ تَمَسَّكُوا بِأَصْحَابِي لِخَوْفِهِمْ.
وَكَانَ أَبُو طَاهِرٍ الْهِجْرِيُّ قَدْ وَصَلَ إِلَى الْكُوفَةِ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ، فَخَرَجَ ابْنُ رَائِقٍ فِي عَسَاكِرِهِ إِلَى قَصْرِ ابْنِ هُبَيْرَةَ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْقُرْمُطِيِّ، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَهُمْ أَمْرٌ، فَعَادَ الْقُرْمُطِيُّ إِلَى بَلَدِهِ، فَعَادَ حِينَئِذٍ ابْنُ رَائِقٍ وَسَارَ إِلَى وَاسِطَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْبَرِيدِيَّ، فَكَتَبَ إِلَى عَسْكَرِهِ بِحِصْنِ مَهْدِيٍّ يَأْمُرُهُمْ بِدُخُولِ الْبَصْرَةِ، وَقِتَالِ مَنْ مَنَعَهُمْ، وَأَنْفَذَ إِلَيْهِمْ جَمَاعَةً مِنَ الْحَجَرِيَّةِ مَعُونَةً لَهُمْ، فَأَنْفَذَ ابْنُ يَزْدَادَ جَمَاعَةً مِنْ عِنْدِهِ لِيَمْنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْبَصْرَةِ، فَاقْتَتَلُوا بِنَهْرِ الْأَمِيرِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ ابْنِ يَزْدَادُ، فَأَعَادَهُمْ، وَزَادَ فِي عِدَّتِهِمْ كُلُّ مُتَجَنِّدٍ فِي الْبَصْرَةِ، وَاقْتَتَلُوا ثَانِيًا فَانْهَزَمُوا أَيْضًا.
وَدَخَلَ إِقْبَالٌ وَأَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ الْبَصْرَةَ، وَانْهَزَمَ ابْنَ يَزْدَادَ إِلَى الْكُوفَةِ، وَقَامَتِ الْقِيَامَةُ عَلَى ابْنِ رَائِقٍ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ يَتَهَدَّدُهُ، وَيَأْمُرُهُ بِإِعَادَةِ أَصْحَابِهِ مِنَ الْبَصْرَةِ، فَاعْتَذَرَ وَلَمْ يَفْعَلْ، وَكَانَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يُرِيدُونَ الْبَرِيدِيَّ لِسُوءِ سِيرَةِ ابْنِ يَزْدَادَ.
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ بُجْكُمَ عَلَى الْأَهْوَازِ
لَمَّا وَصَلَ جَوَابُ الرِّسَالَةِ مِنَ الْبَرِيدِيِّ إِلَى ابْنِ رَائِقٍ بِالْمُغَالَطَةِ عَنْ إِعَادَةِ جُنْدِهِ مِنَ الْبَصْرَةِ، اسْتَدْعَى بَدْرًا الْخَرْشَنِيَّ وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَحْضَرَ بُجْكُمَ أَيْضًا وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَسَيَّرَهُمَا فِي جَيْشٍ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا بِالْجَامِدَةِ، فَبَادَرَ بُجْكُمُ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى بَدْرٍ وَمَنْ مَعَهُ، وَسَارَ إِلَى السُّوسِ.
فَبَلَغَ ذَلِكَ الْبَرِيدِيَّ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ جَيْشًا كَثِيفًا فِي ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ، وَمُقَدِّمُهُمْ غُلَامُهُ مُحَمَّدٌ الْمَعْرُوفُ بِالْحَمَّالِ، فَاقْتَتَلُوا بِظَاهِرِ السُّوسِ، وَكَانَ مَعَ بُجْكُمَ مِائَتَانِ وَسَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَتْرَاكِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْبَرِيدِيِّ وَعَادُوا إِلَيْهِ، فَضَرَبَ الْبَرِيدِيُّ مُحَمَّدًا الْحَمَّالَ، وَقَالَ: انْهَزَمْتَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّكَ تُحَارِبُ يَاقُوتًا الْمُدَبِّرَ، قَدْ جَاءَكَ خِلَافُ مَا عَهِدْتَ، فَقَامَ إِلَيْهِ وَجَعَلَ يَلْكُمُهُ بِيَدَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute