وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى الْمَهْدِيَّةِ) .
وَفِي الْمُحَرَّمِ مِنْهَا ظَهَرَ بِإِفْرِيقِيَّةَ رَجُلٌ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى نَفْسِهِ، فَأَجَابَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَأَطَاعُوهُ، وَادَّعَى أَنَّهُ عَبَّاسِيٌّ وَرَدَ مِنْ بَغْدَاذَ وَمَعَهُ أَعْلَامٌ سُودٌ، فَظَفِرَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي يَزِيدَ وَقَبَضَ عَلَيْهِ، وَسَيَّرَهُ إِلَى أَبِي يَزِيدَ فَقَتَلَهُ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي يَزِيدَ هَرَبَ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ؛ بِسَبَبِ عَدَاوَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَقْوَامٍ سَعَوْا بِهِمْ إِلَيْهِ، فَخَرَجُوا مِنَ الْمَهْدِيَّةِ (مَعَ أَصْحَابِ الْقَائِمِ) فَقَتَلُوا أَصْحَابَ أَبِي يَزِيدَ، فَظَفِرُوا، فَتَفَرَّقَ عِنْدَ ذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي يَزِيدَ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ غَيْرُ هَوَارَةَ وَأُورَاسَ وَبَنِي كَمْلَانَ، وَكَانَ اعْتِمَادُهُ عَلَيْهِمْ.
ذِكْرُ رَحِيلِ أَبِي يَزِيدَ عَنِ الْمَهْدِيَّةِ
لَمَّا تَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا، اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ مَنْ بَقِيَ مَعَهُ وَتَشَاوَرُوا، وَقَالُوا: نَمْضِي إِلَى الْقَيْرَوَانِ، وَنَجْمَعُ الْبَرْبَرَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَنَرْجِعُ إِلَى أَبِي يَزِيدَ، فَإِنَّنَا لَا نَأْمَنُ أَنْ يَعْرِفَ الْقَائِمُ خَبَرَنَا فَيَقْصِدَنَا، فَرَكِبُوا وَمَضَوْا، وَلَمْ يُشَاوِرُوا أَبَا يَزِيدَ، وَمَعَهُمْ أَكْثَرُ الْعَسْكَرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ أَبُو يَزِيدَ لِيَرُدَّهُمْ، فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، فَرَحَلَ مُسْرِعًا فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا، وَتَرَكَ جَمِيعَ أَثْقَالِهِ، فَوَصَلَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ سَادِسَ صَفَرٍ، فَنَزَلَ الْمُصَلَّى، وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَيْرَوَانِ سِوَى عَامِلِهِ، وَخَرَجَ الصِّبْيَانُ يَلْعَبُونَ حَوْلَهُ وَيَضْحَكُونَ مِنْهُ.
وَبَلَغَ الْقَائِمُ رُجُوعَهُ، فَخَرَجَ النَّاسُ إِلَى أَثْقَالِهِ، فَوَجَدُوا الطَّعَامَ وَالْخِيَامَ (وَغَيْرَ ذَلِكَ) عَلَى حَالِهِ، فَأَخَذُوهُ وَحَسُنَتْ أَحْوَالُهُمْ، وَاسْتَرَاحُوا مِنْ شِدَّةِ الْحِصَارِ، وَرَخُصَتِ الْأَسْعَارُ، وَأَنْفَذَ الْقَائِمُ إِلَى الْبِلَادِ عُمَّالًا يَطْرُدُونَ عُمَّالَ أَبِي يَزِيدَ عَنْهَا، فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ قِلَّةَ عَسْكَرِ أَبِي يَزِيدَ خَافُوا الْقَائِمَ، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْبِضُوا أَبَا يَزِيدَ، ثُمَّ هَابُوهُ، فَكَاتَبُوا الْقَائِمَ يَسْأَلُونَهُ الْأَمَانَ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ.
وَبَلَغَ أَبَا يَزِيدَ الْخَبَرُ، فَأَنْكَرَ عَلَى عَامِلِهِ بِالْقَيْرَوَانِ اشْتِغَالَهُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute