أَصْحَابُهُ بِالتَّوَقُّفِ وَتَرْكِ الْعَجَلَةِ، ثُمَّ جَمَعَ عَسْكَرًا عَظِيمًا، وَأَخْرَجَ ابْنَهُ أَيُّوبَ ثَانِيَةً لِقِتَالِ عَلِيِّ بْنِ حَمْدُونَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ بَلْطَةُ، وَكَانُوا يَقْتَتِلُونَ، فَمَرَّةً يَظْفَرُ أَيُّوبُ، وَمَرَّةً يَظْفَرُ عَلِيٌّ، وَكَانَ عَلِيٌّ قَدْ وَكَّلَ بِحِرَاسَةِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَثِقُ بِهِ، وَكَانَ يَحْرُسُ بَابًا مِنْهَا رَجُلٌ اسْمُهُ أَحْمَدُ، فَرَاسَلَ أَيُّوبَ فِي التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ عَلَى مَالٍ يَأْخُذُهُ، فَأَجَابَهُ أَيُّوبُ إِلَى مَا طَلَبَ، وَقَاتَلَ عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ، فَفَتَحَهُ أَحْمَدُ وَدَخَلَهُ أَصْحَابُ أَبِي يَزِيدَ، فَقَتَلُوا مَنْ كَانَ بِهَا، وَهَرَبَ عَلِيٌّ إِلَى بِلَادِ كُتَامَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةِ فَارِسٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ رَاجِلٍ، وَكَتَبَ إِلَى قَبَائِلِ كُتَامَةَ وَنَفْزَةَ وَمَزَاتَةَ وَغَيْرِهِمْ، فَاجْتَمَعُوا وَعَسْكَرُوا عَلَى مَدِينَةِ الْقَسَنْطِينَةِ.
وَوَجَّهَ عَسْكَرًا إِلَى هَوَّارَةَ، فَقَتَلُوا هَوَّارَةَ، وَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ، وَكَانَ اعْتِمَادُ أَبِي يَزِيدَ عَلَيْهِمْ، فَاتَّصَلَ الْخَبَرُ بِأَبِي يَزِيدَ، فَسَيَّرَ إِلَيْهِمْ عَسَاكِرَ عَظِيمَةً يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَكَانَ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَالْفَتْحُ وَالظَّفَرُ فِي كُلِّهَا لِعَلِيٍّ وَعَسْكَرِ الْقَائِمِ، وَمَلَكَ مَدِينَةَ تَيْجَسَ، وَمَدِينَةَ بَاغَايَةَ، وَأَخَذَهُمَا مِنْ أَبِي يَزِيدَ.
ذِكْرُ مُحَاصَرَةِ أَبِي يَزِيدَ سُوسَةَ وَانْهِزَامِهِ مِنْهَا
لَمَّا رَأَى أَبُو يَزِيدَ مَا جَرَى عَلَى عَسْكَرِهِ مِنَ الْهَزِيمَةِ، جَدَّ فِي أَمْرِهِ، فَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ وَسَارَ إِلَى سُوسَةَ سَادِسَ جُمَادَى الْآخِرَةِ مِنَ السَّنَةِ، وَبِهَا جَيْشٌ كَثِيرٌ لِلْقَائِمِ، فَحَصَرَهَا حَصْرًا شَدِيدًا، فَكَانَ يُقَاتِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ، فَمَرَّةً لَهُ، وَمَرَّةً عَلَيْهِ، وَعَمِلَ الدَّبَّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقَاتِ، فَقُتِلَ مِنْ أَهْلِ سُوسَةَ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَحَاصَرَهَا إِلَى أَنْ فَوَّضَ الْقَائِمُ الْعَهْدَ إِلَى وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ الْمَنْصُورِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَتُوُفِّيَ الْقَائِمُ وَمَلَكَ الْمُلْكَ ابْنُهُ الْمَنْصُورُ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَكَتَمَ مَوْتَ أَبِيهِ خَوْفًا مِنْ أَبِي يَزِيدَ لِقُرْبِهِ، وَهُوَ عَلَى مَدِينَةِ سُوسَةَ.
فَلَمَّا وَلِيَ عَمِلَ الْمَرَاكِبَ، وَشَحَنَهَا بِالرِّجَالِ، وَسَيَّرَهَا إِلَى سُوسَةَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَشِيقًا الْكَاتِبَ، وَيَعْقُوبَ بْنَ إِسْحَاقَ، وَوَصَّاهُمَا أَنْ لَا يُقَاتِلَا حَتَّى يَأْمُرَهُمَا، ثُمَّ سَارَ مِنَ الْغَدِ يُرِيدُ السُّوسَةَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ، فَلَمَّا انْتَصَفَ الطَّرِيقُ عَلِمُوا فَتَضَرَّعُوا إِلَيْهِ، وَسَأَلُوهُ أَنْ يَعُودَ وَلَا يُخَاطِرَ بِنَفْسِهِ، فَعَادَ وَأَرْسَلَ إِلَى رَشِيقٍ وَيَعْقُوبَ بِالْجِدِّ فِي الْقِتَالِ، فَوَصَلُوا إِلَى سُوسَةَ وَقَدْ أَعَدَّ أَبُو يَزِيدَ الْحَطَبَ لِإِحْرَاقِ السُّورِ، وَعَمِلَ دَبَّابَةً عَظِيمَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute