فَوَصَلَ أُسْطُولُ الْمَنْصُورِ إِلَى سُوسَةَ، وَاجْتَمَعُوا بِمَنْ فِيهَا، وَخَرَجُوا إِلَى قِتَالِ أَبِي يَزِيدَ، فَرَكِبَ بِنَفْسِهِ، وَاقْتَتَلُوا وَاشْتَدَّتِ الْحَرْبُ، وَانْهَزَمَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْمَنْصُورِ حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ، فَأَلْقَى رَشِيقٌ النَّارَ فِي الْحَطَبِ الَّذِي جَمَعَهُ أَبُو يَزِيدَ، وَفِي الدَّبَّابَةِ، فَأَظْلَمَ الْجَوُّ بِالدُّخَانِ، وَاشْتَعَلَتِ النَّارُ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو يَزِيدَ وَأَصْحَابُهُ خَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّ أَصْحَابَهُ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ قَدْ هَلَكُوا، فَلِهَذَا تَمَكَّنَ أَصْحَابُ الْمَنْصُورِ مِنْ إِحْرَاقِ الْحَطَبِ إِذْ لَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَانْهَزَمَ أَبُو يَزِيدَ وَأَصْحَابُهُ، وَخَرَجَتْ عَسَاكِرُ الْمَنْصُورِ، فَوَضَعُوا السَّيْفَ فِيمَنْ تَخَلَّفَ مِنَ الْبَرْبَرِ، وَأَحْرَقُوا خِيَامَهُ.
وَجَدَّ أَبُو يَزِيدَ هَارِبًا حَتَّى دَخَلَ الْقَيْرَوَانَ مِنْ يَوْمِهِ، وَهَرَبَ الْبَرْبَرُ عَلَى وُجُوهِهِمْ، فَمَنْ سَلِمَ مِنَ السَّيْفِ، مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا.
وَلَمَّا وَصَلَ أَبُو يَزِيدَ إِلَى الْقَيْرَوَانِ، أَرَادَ الدُّخُولَ إِلَيْهَا، فَمَنَعَهُ أَهْلُهَا، وَرَجَعُوا إِلَى دَارِ عَامِلِهِ فَحَصَرُوهُ، وَأَرَادُوا كَسْرَ الْبَابِ، فَنَثَرَ الدَّنَانِيرَ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَاشْتَغَلُوا عَنْهُ، فَخَرَجَ إِلَى أَبِي يَزِيدَ، وَأَخَذَ أَبُو يَزِيدَ امْرَأَتَهُ أَمَّ أَيُّوبَ، وَتَبِعَهُ أَصْحَابُهُ بِعِيَالَاتِهِمْ، وَرَحَلُوا إِلَى نَاحِيَةِ سَبِيبَةَ، وَهِيَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمَيْنِ مِنَ الْقَيْرَوَانِ، فَنَزَلُوهَا.
ذِكْرُ مِلْكِ الْمَنْصُورِ مَدِينَةَ الْقَيْرَوَانِ وَانْهِزَامِ أَبِي يَزِيدَ
لَمَّا بَلَغَ الْمَنْصُورَ الْخَبَرُ، سَارَ إِلَى مَدِينَةِ سُوسَةَ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ مِنَ السَّنَةِ، فَنَزَلَ خَارِجًا مِنْهَا، وَسُرَّ بِمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْقَيْرَوَانِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ كِتَابًا يُؤَمِّنُهُمْ فِيهِ ; لِأَنَّهُ كَانَ وَاجِدًا عَلَيْهِمْ لِطَاعَتِهِمْ أَبَا يَزِيدَ، وَأَرْسَلَ مَنْ يُنَادِي فِي النَّاسِ بِالْأَمَانِ، وَطَابَتْ نُفُوسُهُمْ، وَرَحَلَ إِلَيْهِمْ، فَوَصَلَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ أَهْلُهَا، فَأَمَّنَهُمْ وَوَعَدَهُمْ خَيْرًا.
وَوَجَدَ فِي الْقَيْرَوَانِ مِنْ حُرَمِ أَبِي يَزِيدَ وَأَوْلَادِهِ جَمَاعَةً، فَحَمَلَهُمْ إِلَى الْمَهْدِيَّةِ وَأَجْرَى عَلَيْهِمُ الْأَرْزَاقَ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا يَزِيدَ جَمَعَ عَسَاكِرَهُ، وَأَرْسَلَ سَرِيَّةً (إِلَى الْقَيْرَوَانِ) يَتَخَبَّرُونَ لَهُ، فَاتَّصَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute