لَا يَتَعَدُّوا فِيمَا هُمْ بِسَبِيلِهِ الْعَدْلَ، وَلَا يَعْمَلُوا فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِهِ، فَفَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ، فَصَرَفَ اللَّهُ ذَلِكَ الْعَدُوَّ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ.
ذِكْرُ مَا فَعَلَهُ أَنُوشِرْوَانُ بِأَرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ
كَانَتْ أَرْمِينِيَّةُ وَأَذْرَبِيجَانُ بَعْضُهَا لِلرُّومِ وَبَعْضُهَا لِلْخَزَرِ، فَبَنَى قُبَاذُ سُورًا مِمَّا يَلِي بَعْضَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ وَمَلَكَ ابْنُهُ أَنُوشِرْوَانُ وَقَوِيَ أَمْرُهُ وَغَزَا فَرْغَانَةَ وَالْبُرْجَانَ، وَعَادَ بَنَى الشَّابَرَانَ وَمَدِينَةَ مَسْقَطَ وَمَدِينَةَ الْبَابِ وَالْأَبْوَابَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَبْوَابًا لِأَنَّهَا بُنِيَتْ عَلَى طَرِيقٍ فِي الْجَبَلِ، وَأَسْكَنَ الْمُدُنَ قَوْمًا سَمَّاهُمُ السَّيَاسَجِينَ، وَبَنَى غَيْرَ هَذِهِ الْمُدُنِ، وَبَنَى لِكُلِّ بَابٍ قَصْرًا مِنْ حِجَارَةٍ، وَبَنَى بِأَرْضِ جُرْزَانَ مَدِينَةَ سَغْدَبِيلَ وَأَنْزَلَهَا السُّغْدَ وَأَبْنَاءَ فَارِسَ، وَبَنَى بَابَ اللَّانِ، وَفَتَحَ جَمِيعَ مَا كَانَ بِأَرْضِ الرُّومِ مِنْ أَرْمِينِيَّةَ، وَعَمَّرَ مَدِينَةَ أَرْدَبِيلَ وَعِدَّةَ حُصُونٍ، وَكَتَبَ إِلَى مَلِكِ التُّرْكِ يَسْأَلُهُ الْمُوَادَعَةَ وَالِاتِّفَاقَ وَيَخْطُبُ إِلَيْهِ ابْنَتَهُ، وَرَغِبَ فِي صِهْرِهِ، وَتَزَوَّجَ كُلُّ وَاحِدٍ بِابْنَةِ الْآخَرِ.
فَأَمَّا كِسْرَى فَإِنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى خَاقَانَ مَلِكِ التُّرْكِ بِنْتًا كَانَتْ قَدْ تَبَنَّتْهَا بَعْضُ نِسَائِهِ وَذَكَرَ أَنَّهَا ابْنَتُهُ، وَأَرْسَلَ مَلِكُ التُّرْكِ ابْنَتَهُ، وَاجْتَمَعَا، فَأَمَرَ أَنُوشِرْوَانُ جَمَاعَةً مِنْ ثِقَاتِهِ أَنْ يَكْبِسُوا طَرَفًا مِنْ عَسْكَرِ التُّرْكِ وَيُحْرِقُوا فِيهِ، فَفَعَلُوا، فَلَمَّا أَصْبَحُوا شَكَا مَلِكُ التُّرْكِ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلْمٌ بِهِ، ثُمَّ أَمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ بَعْدَ لَيَالٍ، فَضَجَّ التُّرْكِيُّ، فَرَفُقَ بِهِ أَنُوشِرْوَانُ، فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَ أَنُوشِرْوَانُ أَنْ تُلْقَى النَّارُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ عَسْكَرِهِ فِيهَا أَكْوَاخٌ مِنْ حَشِيشٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ شَكَا إِلَى التُّرْكِيِّ، قَالَ: كَافَأْتَنِي بِالتُّهْمَةِ! فَحَلَفَ التُّرْكِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ أَنُوشِرْوَانُ لَهُ: إِنَّ جُنْدَنَا قَدْ كَرِهُوا صُلْحَنَا لِانْقِطَاعِ الْعَطَاءِ وَالْغَارَاتِ، وَلَا آمَنُ أَنْ يُحْدِثُوا حَدَثًا يُفْسِدُ قُلُوبَنَا فَنَعُودَ إِلَى الْعَدَاوَةِ، وَالرَّأْيُ أَنْ تَأْذَنَ لِي فِي بِنَاءِ سُورٍ يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ نَجْعَلُ عَلَيْهِ أَبْوَابًا فَلَا يَدْخُلُ إِلَيْكَ إِلَّا مَنْ تُرِيدُهُ وَلَا يَدْخُلُ إِلَيْنَا إِلَّا مَنْ نُرِيدُهُ. فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ.
وَبَنَى أَنُوشِرْوَانُ السُّورَ مِنَ الْبَحْرِ وَأَلْحَقَهُ بِرُءُوسِ الْجِبَالِ، وَعَمِلَ عَلَيْهِ أَبْوَابَ الْحَدِيدِ وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَحْرُسُهُ. فَقِيلَ لِمَلِكِ التُّرْكِ: إِنَّهُ خَدَعَكَ وَزَوَّجَكَ غَيْرَ ابْنَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute