للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطُّلَّبُ فَلَمْ يُدْرِكُوهُ، وَسَارَ وَحْدَهُ حَتَّى وَصَلَ إِلَى الرَّيِّ إِلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ، فَأَكْرَمَهُ رُكْنُ الدَّوْلَةِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَكَانَ زَوْجَ أُخْتِ إِبْرَاهِيمَ، فَبَالَغَ فِي إِكْرَامِهِ لِذَلِكَ، وَأَجْزَلَ لَهُ الْهَدَايَا وَالصِّلَاتِ.

ذِكْرُ خَبَرِ الْغُزَاةِ الْخُرَاسَانِيَّةِ مَعَ رُكْنِ الدَّوْلَةِ

فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فِي رَمَضَانَ، خَرَجَ مِنْ خُرَاسَانَ جَمْعٌ عَظِيمٌ يَبْلُغُونَ عِشْرِينَ أَلْفًا إِلَى الرَّيِّ بِنِيَّةِ الْغَزَاةِ، فَبَلَغَ خَبَرُهُمْ إِلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ، وَكَثْرَةُ جَمْعِهِمْ، وَمَا فَعَلُوهُ فِي أَطْرَافِ بِلَادِهِ مِنَ الْفَسَادِ، وَأَنَّ رُؤَسَاءَهُمْ لَمْ يَمْنَعُوهُمْ (عَنْ ذَلِكَ) ، (فَأَشَارَ عَلَيْهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ الْعَمِيدِ، وَهُوَ وَزِيرُهُ، بِمَنْعِهِمْ مِنْ دُخُولِ بِلَادِهِ مُجْتَمِعِينَ، فَقَالَ: لَا تَتَحَدَّثُ الْمُلُوكُ أَنَّنِي خِفْتُ جَمْعًا مِنَ الْغُزَاةِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِتَأْخِيرِهِمْ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ عَسْكَرَهُ، وَكَانُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَعْمَالِهِمْ، فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَعَ صَاحِبِ خُرَاسَانَ مُوَاطَأَةً عَلَى بِلَادِكَ وَدَوْلَتِكَ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى قَوْلِهِ.

فَلَمَّا وَرَدُوا الرَّيَّ اجْتَمَعَ رُؤَسَاؤُهُمْ، وَفِيهِمُ الْقَفَّالُ الْفَقِيهُ، وَحَضَرُوا مَجْلِسَ ابْنِ الْعَمِيدِ، وَطَلَبُوا مَالًا يُنْفِقُونَهُ، فَوَعَدَهُمْ فَاشْتَطُّوا فِي الطَّلَبِ وَقَالُوا: نُرِيدُ خَرَاجَ هَذِهِ الْبِلَادِ جَمِيعِهَا، فَإِنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَقَدْ فَعَلَ الرُّومُ بِالْمُسْلِمِينَ مَا بَلَغَكُمْ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى بِلَادِكُمْ، وَكَذَلِكَ الْأَرْمَنُ، وَنَحْنُ غُزَاةٌ، وَفُقَرَاءُ، وَأَبْنَاءُ سَبِيلٍ، فَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمَالِ مِنْكُمْ، وَطَلَبُوا جَيْشًا يَخْرُجُ مَعَهُمْ، وَاشْتَطُّوا فِي الِاقْتِرَاحِ، فَعَلِمَ ابْنُ الْعَمِيدِ حِينَئِذٍ خُبْثَ سَرَائِرِهِمْ، وَتَيَقَّنَ مَا كَانَ ظَنُّهُ فِيهِمْ، فَرَفَقَ بِهِمْ وَدَارَاهُمْ، فَعَدَلُوا عَنْهُ إِلَى مُشَاتَمَةِ الدَّيْلَمِ، وَلَعْنِهِمْ، وَتَكْفِيرِهِمْ، ثُمَّ قَامُوا عَنْهُ، وَشَرَعُوا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيَسْلُبُونَ الْعَامَّةَ بِحُجَّةِ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُمْ أَثَارُوا الْفِتْنَةَ، وَحَارَبُوا جَمَاعَةً مِنَ الدَّيْلَمِ إِلَى أَنَّ حَجَزَ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، ثُمَّ بَاكَرُوا الْقِتَالَ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ، وَنَهَبُوا دَارَ الْوَزِيرِ ابْنِ الْعَمِيدِ وَجَرَحُوهُ، وَسَلِمَ مِنَ الْقَتْلِ.

وَخَرَجَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ، وَكَانَ فِي قِلَّةٍ، فَهَزَمَهُ الْخُرَاسَانِيَّةُ، فَلَوْ تَبِعُوهُ لَأَتَوْا عَلَيْهِ وَمَلَكُوا الْبَلَدَ مِنْهُ، لَكِنَّهُمْ عَادُوا عَنْهُ لِأَنَّ اللَّيْلَ أَدْرَكَهُمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَاسَلَهُمْ رُكْنُ الدَّوْلَةِ وَلَطُفَ بِهِمْ، لَعَلَّهُمْ يَسِيرُونَ مِنْ بَلَدِهِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا، وَكَانُوا يَنْتَظِرُونَ مَدَدًا يَأْتِيهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>