مُنْقَطِعِينَ يَظُنُّونَ أَنَّ صَوْتَ الْبُوقِ) مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ، وَكُلُّ مَنْ وَصَلَ إِلَى حَمْدَانَ أَسَرَهُ، حَتَّى أَخَذَهُمْ جَمِيعَهُمْ، فَقَتَلَ بَعْضًا وَاسْتَبْقَى بَعْضًا، فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بِذَلِكَ عَادَ إِلَى قَرْقِيسِيَّا، وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَخُوهُ حَمْدَانُ مُنْفَرِدَيْنِ، فَلَمْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَهُمَا قَاعِدَةٌ، فَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ لِحَمْدَانَ: أَنَا أَعُودُ إِلَى عَرَبَانَ، وَأَرْسِلْ إِلَى أَبِي تَغْلِبَ يُجِيبُ إِلَى مَا تَلْتَمِسُهُ مِنْهُ.
فَسَارَ عَائِدًا إِلَى عَرَبَانَ، وَعَبَرَ حَمْدَانُ الْفُرَاتَ فِي مَخَاضَةٍ بِهَا، وَسَارَ فِي أَثَرِ أَخِيهِ أَبِي الْبَرَكَاتِ، فَأَدْرَكَهُ بِعَرَبَانَ وَهُوَ آمِنٌ، فَلَقِيَهُمْ أَبُو الْبَرَكَاتِ بِغَيْرِ جُنَّةٍ وَلَا سِلَاحٍ، فَقَاتَلَهُمْ، وَاشْتَدَّ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ، وَحَمَلَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بِنَفْسِهِ فِي وَسَطِهِمْ، فَضَرَبَهُ أَخُوهُ حَمْدَانُ فَأَلْقَاهُ وَأَخَذَهُ أَسِيرًا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ، وَهُوَ ثَالِثُ رَمَضَانَ، فَحُمِلَ فِي تَابُوتٍ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَدُفِنَ بِتَلِّ تَوْبَةَ عِنْدَ أَبِيهِ.
وَتَجَهَّزَ أَبُو تَغْلِبَ لِيَسِيرَ إِلَى حَمْدَانَ، وَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخَاهُ أَبَا الْفَوَارِسِ مُحَمَّدًا إِلَى نَصِيبِينَ، فَلَمَّا وَصَلَهَا كَاتَبَ أَخَاهُ حَمْدَانَ وَمَالَأَ عَلَى أَبِي تَغْلِبَ، فَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا تَغْلِبَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ يَسْتَدْعِيهِ لِيَزِيدَ فِي إِقْطَاعِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ عِنْدَهُ قَبَضَ عَلَيْهِ وَسَيَّرَهُ إِلَى قَلْعَةِ كَوَاشِي، مِنْ بَلَدِ الْمَوْصِلِ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُ، وَكَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسَمِائَةِ أَلْفَ دِينَارٍ.
فَلَمَّا قَبَضَ عَلَيْهِ سَارَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحُسَيْنُ ابْنَا نَاصِرِ الدَّوْلَةِ إِلَى أَخِيهِمَا حَمْدَانَ، خَوْفًا مِنْ أَبِي تَغْلِبَ، فَاجْتَمَعَا مَعَهُ، وَسَارُوا إِلَى سِنْجَارَ، فَسَارَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَوْصِلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِلِقَائِهِ طَاقَةٌ، فَرَاسَلَهُ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ وَالْحُسَيْنُ يَطْلُبَانِ الْعَوْدَ إِلَيْهِ خَدِيعَةً مِنْهُمَا لِيُؤَمِّنَهُمَا وَيَفْتِكَا بِهِ، فَأَجَابَهُمَا إِلَى ذَلِكَ، فَهَرَبَا إِلَيْهِ، وَتَبِعَهُمَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ حَمْدَانَ، (فَعَادَ حَمْدَانُ) حِينَئِذٍ مِنْ سِنْجَارَ إِلَى عَرَبَانَ، وَاسْتَأْمَنَ إِلَى أَبِي تَغْلِبَ، صَاحِبِ حَمْدَانَ وَأَطْلَعَهُ حِيلَةَ أَخَوَيْهِ عَلَيْهِ، وَهُمَا إِبْرَاهِيمُ وَالْحُسَيْنُ، فَأَرَادَ الْقَبْضَ عَلَيْهِمَا فَحَذِرَا وَهَرَبَا.
ثُمَّ إِنَّ غُلَامَ حَمْدَانَ وَنَائِبَهُ بِالرُّحْبَةِ أَخَذَ جَمِيعَ مَالِهِ وَهَرَبَ إِلَى أَصْحَابِ أَبِي تَغْلِبَ بَحَرَّانَ، وَكَانُوا مَعَ صَاحِبِهِ سَلَامَةَ الْبَرْقَعِيدِيِّ، فَاضْطَرَّ حَمْدَانُ إِلَى الْعَوْدِ إِلَى الرُّحْبَةِ، وَسَارَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى قَرْقِيسِيَّا، وَأَرْسَلَ سَرِيَّةً عَبَرُوا الْفُرَاتَ وَكَبَسُوا حَمْدَانَ بِالرُّحْبَةِ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، فَنَجَا هَارِبًا، وَاسْتَوْلَى أَبُو تَغْلِبَ عَلَيْهَا، وَعَمَّرَ سُورَهَا، وَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute