وَأَصَابَهُمْ مَا أَصَابَهُمْ عَظَّمَتِ الْعَرَبُ قُرَيْشًا، وَقَالُوا: أَهْلُ اللَّهِ قَاتَلَ عَنْهُمْ. ثُمَّ مَاتَ يَكْسُومُ وَمَلَكَ بَعْدَهُ أَخُوهُ مَسْرُوقٌ.
ذِكْرُ عَوْدِ الْيَمَنِ إِلَى حِمْيَرَ وَإِخْرَاجِ الْحَبَشَةِ عَنْهُ
لَمَّا هَلَكَ يَكْسُومُ مَلَكَ الْيَمَنَ أَخُوهُ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةُ، وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ وَهْرِزُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنٍ، وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُرَّةَ، وَقِيلَ: كُنْيَةُ ذِي يَزَنٍ أَبُو مُرَّةَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ، وَتَنَكَّبَ كِسْرَى لِإِبْطَائِهِ عَنْ نَصْرِ أَبِيهِ، فَإِنَّهُ كَانَ قَصَدَ كِسْرَى أَنُوشِرْوَانَ لَمَّا أُخِذَتْ زَوْجَتُهُ يَسْتَنْصِرُهُ عَلَى الْحَبَشَةِ، فَوَعَدَهُ، فَأَقَامَ ذُو يَزَنٍ عِنْدَهُ، فَمَاتَ عَلَى بَابِهِ. وَكَانَ ابْنُهُ سَيْفٌ مَعَ أُمِّهِ فِي حِجْرِ أَبْرَهَةَ، وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهُ ابْنُهُ، فَسَبَّهُ وَلَدُ أَبْرَهَةَ وَسَبَّ أَبَاهُ فَسَأَلَ أُمَّهُ عَنْ أَبِيهِ فَأَعْلَمَتْهُ خَبَرَهُ بَعْدَ مُرَاجَعَةٍ بَيْنَهُمَا، فَأَقَامَ حَتَّى مَاتَ أَبْرَهَةُ وَابْنُهُ يَكْسُومُ.
ثُمَّ سَارَ إِلَى الرُّومِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ مَلِكِهِمْ مَا يُحِبُّ لِمُوَافَقَتِهِ الْحَبَشَةَ فِي الدِّينِ، فَعَادَ إِلَى كِسْرَى، فَاعْتَرَضَهُ يَوْمًا وَقَدْ رَكِبَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ لِي عِنْدَكَ مِيرَاثًا، فَدَعَا بِهِ كِسْرَى لَمَّا نَزَلَ فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ وَمَا مِيرَاثُكَ؟ قَالَ: أَنَا ابْنُ الشَّيْخِ الْيَمَانِيِّ الَّذِي وَعَدْتَهُ النُّصْرَةَ فَمَاتَ بِبَابِكَ، فَتِلْكَ الْعِدَةُ حَقٌّ لِي وَمِيرَاثٌ. فَرَقَّ كِسْرَى لَهُ وَقَالَ لَهُ: بَعُدَتْ بِلَادُكَ عَنَّا وَقَلَّ خَيْرُهَا وَالْمَسْلَكُ إِلَيْهَا وَعْرٌ وَلَسْتُ أُغَرِّرُ بِجَيْشِي. وَأَمَرَ لَهُ بِمَالٍ، فَخَرَجَ وَجَعَلَ يَنْثُرُ الدَّرَاهِمَ، فَانْتَهَبَهَا النَّاسُ، فَسَمِعَ كِسْرَى فَسَأَلَهُ مَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: لَمْ آتِكَ لِلْمَالِ وَإِنَّمَا جِئْتُكَ لِلرِّجَالِ وَلِتَمْنَعَنِي مِنَ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَإِنَّ جِبَالَ بِلَادِنَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ.
فَأُعْجِبَ كِسْرَى بِقَوْلِهِ وَقَالَ: يَظُنُّ الْمِسْكِينُ أَنَّهُ أَعْرَفُ بِبِلَادِهِ مِنِّي، وَاسْتَشَارَ وُزَرَاءَهُ فِي تَوْجِيهِ الْجُنْدِ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ مُوبَذَانْ مُوبَذْ: أَيُّهَا الْمَلِكُ: إِنَّ لِهَذَا الْغُلَامِ حَقًّا بِنُزُوعِهِ إِلَيْكَ وَمَوْتِ أَبِيهِ بِبَابِكَ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِدَتِهِ بِالنُّصْرَةِ، وَفِي سُجُونِكَ رِجَالٌ ذَوُو نَجْدَةٍ وَبَأْسٍ فَلَوْ أَنَّ الْمَلِكَ وَجَّهَهُمْ مَعَهُ فَإِنْ أَصَابُوا ظَفَرًا كَانَ لِلْمَلِكِ، وَإِنْ هَلَكُوا فَقَدِ اسْتَرَاحَ وَأَرَاحَ أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ مِنْهُمْ.
فَقَالَ كِسْرَى: هَذَا الرَّأْيُ. فَأَمَرَ بِمَنْ فِي السُّجُونِ، فَأُحْضِرُوا، فَكَانُوا ثَمَانِمِائَةٍ، فَقَوَّدَ عَلَيْهِمْ قَائِدًا مِنْ أَسَاوِرَتِهِ يُقَالُ لَهُ وَهْرِزُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute