وَقِيلَ: بَلْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّجُونِ سَخِطَ عَلَيْهِ كِسْرَى لِحَدَثٍ أَحْدَثَهُ فَحَبَسَهُ، وَكَانَ يَعْدِلُهُ بِأَلْفِ أَسْوَارٍ، وَأَمَرَ بِحَمْلِهِمْ فِي ثَمَانِي سُفُنٍ، فَرَكِبُوا الْبَحْرَ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ وَخَرَجُوا بِسَاحِلِ حَضْرَمَوْتَ، وَلَحِقَ بِابْنِ ذِي يَزَنٍ بَشَرٌ كَثِيرٌ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ مَسْرُوقٌ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْحَبَشَةِ وَحِمْيَرَ وَالْأَعْرَابِ، وَجَعَلَ وَهْرِزُ الْبَحْرَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَأَحْرَقَ السُّفُنَ لِئَلَّا يَطْمَعَ أَصْحَابُهُ فِي النَّجَاةِ، وَأَحْرَقَ كُلَّ مَا مَعَهُمْ مِنْ زَادٍ وَكِسْوَةٍ إِلَّا مَا أَكَلُوا وَمَا عَلَى أَبْدَانِهِمْ، وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنَّمَا أَحْرَقْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ الْحَبَشَةُ إِنْ ظَفِرُوا بِكُمْ، وَإِنْ نَحْنُ ظَفِرْنَا بِهِمْ فَسَنَأْخُذُ أَضْعَافَهُ، فَإِنْ كُنْتُمْ تُقَاتِلُونَ مَعِي وَتَصْبِرُونَ أَعْلَمْتُمُونِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ اعْتَمَدْتُ عَلَى سَيْفِي حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي، فَانْظُرُوا مَا حَالُكُمْ إِذَا فَعَلَ رَئِيسُكُمْ هَذَا بِنَفْسِهِ. قَالُوا: بَلْ نُقَاتِلُ مَعَكَ حَتَّى نَمُوتَ أَوْ نَظْفَرَ. وَقَالَ لِسَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنٍ: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ مِنْ رَجُلٍ عَرَبِيٍّ وَسَيْفٍ عَرَبِيٍّ، ثُمَّ أَجْعَلُ رَجُلِي مَعَ رَجُلِكَ حَتَّى نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا. قَالَ: أَنْصَفْتَ.
فَجَمَعَ إِلَيْهِ سَيْفٌ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَهُ السَّكَاسِكَ مِنْ كِنْدَةَ، وَسَمِعَ بِهِمْ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ فَجَمَعَ إِلَيْهِ جُنْدَهُ، فَعَبَّأَ وَهْرِزُ أَصْحَابَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوتِرُوا قِسِيَّهُمْ، وَقَالَ: إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالرَّمْيِ فَارْمُوا رَشْقًا.
وَأَقْبَلَ مَسْرُوقٌ فِي جَمْعٍ لَا يُرَى طَرَفَاهُ، وَهُوَ عَلَى فِيلٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ، وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ مِثْلُ الْبَيْضَةِ لَا يَرَى دُونَ الظَّفَرِ شَيْئًا.
وَكَانَ وَهْرِزُ كَلَّ بَصَرُهُ، فَقَالَ: أَرُونِي عَظِيمَهُمْ. فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُ الْفِيلِ، ثُمَّ رَكِبَ فَرَسًا، فَقَالُوا: رَكِبَ فَرَسًا، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى بَغْلَةٍ، فَقَالَ وَهْرِزُ: ذَلَّ وَذَلَّ مُلْكُهُ! وَقَالَ وَهْرِزُ: ارْفَعُوا لِي حَاجِبِي، وَكَانَ قَدْ سَقَطَا عَلَى عَيْنَيْهِ مِنَ الْكِبَرِ، فَرَفَعُوهُمَا لَهُ بِعِصَابَةٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَشَّابَةً فِي كَبِدِ فَرَسِهِ وَقَالَ: أَشِيرُوا إِلَى مَسْرُوقٍ، فَأَشَارُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: سَأَرْمِيهِ، فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ وُقُوفًا لَمْ يَتَحَرَّكُوا فَاثْبُتُوا حَتَّى أُؤْذِنَكُمْ، فَإِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ الرَّجُلَ، وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ قَدِ اسْتَدَارُوا وَلَاثُوا بِهِ فَقَدْ أَصَبْتُهُ فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ. ثُمَّ رَمَاهُ فَأَصَابَ السَّهْمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَرَمَى أَصْحَابُهُ، فَقُتِلَ مَسْرُوقٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَاسْتَدَارَتِ الْحَبَشَةُ بِمَسْرُوقٍ وَقَدْ سَقَطَ عَنْ دَابَّتِهِ، وَحَمَلَتِ الْفُرْسُ عَلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute