فَلَمْ يَكُنْ دُونَ الْهَزِيمَةِ شَيْءٌ، وَغَنِمَ الْفُرْسُ مِنْ عَسْكَرِهِمْ مَا لَا يُحَدُّ وَلَا يُحْصَى.
وَقَالَ وَهْرِزُ: كُفُّوا عَنِ الْعَرَبِ وَاقْتُلُوا السُّودَانَ وَلَا تُبْقُوا مِنْهُمْ أَحَدًا. وَهَرَبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، ثُمَّ الْتَفَتَ فَرَأَى فِي جُعْبَتِهِ نَشَّابَةً فَقَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ! أَبُعْدٌ أَمْ طُولُ مَسِيرٍ! .
وَسَارَ وَهْرِزُ حَتَّى دَخَلَ صَنْعَاءَ وَغَلَبَ عَلَى بِلَادِ الْيَمَنِ وَأَرْسَلَ عُمَّالَهُ فِي الْمَخَالِيفِ.
وَكَانَ مُدَّةُ مُلْكِ الْحَبَشَةِ الْيَمَنَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً، تَوَارَثَ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ مُلُوكٍ: أَرْيَاطُ، ثُمَّ أَبْرَهَةُ، ثُمَّ ابْنُهُ يَكْسُومُ، ثُمَّ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ، وَقِيلَ: كَانَ مُلْكُهُمْ نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
فَلَمَّا مَلَكَ وَهْرِزُ الْيَمَنَ، أَرْسَلَ إِلَى كِسْرَى يُعْلِمُهُ بِذَلِكَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَمْوَالٍ، وَكِتَبَ إِلَيْهِ كِسْرَى يَأْمُرُهُ أَنْ يُمَلِّكَ سَيْفَ بْنَ ذِي يَزَنٍ - وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَعْدِي كَرِبَ بْنَ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنٍ - عَلَى الْيَمَنِ وَأَرْضِهَا، وَفَرَضَ عَلَيْهِ كِسْرَى جِزْيَةً وَخَرَاجًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ عَامٍ، فَمَلَّكَهُ وَهْرِزُ وَانْصَرَفَ إِلَى كِسْرَى، وَأَقَامَ سَيْفٌ عَلَى الْيَمَنِ مَلِكًا يَقْتُلُ الْحَبَشَةَ، وَيَبْقُرُ بُطُونَ الْحَبَالَى عَنِ الْحَمْلِ، وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلَ جَعَلَهُمْ خَوَلًا، فَاتَّخَذَ مِنْهُمْ جَمَّازِينَ يَسْعَوْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْحِرَابِ، فَمَكَثَ غَيْرَ كَثِيرٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا وَالْحَبَشَةُ يَسْعَوْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِحِرَابِهِمْ فَضَرَبُوهُ بِالْحِرَابِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَكَانَ مُلْكُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَوَثَبَ بِهِمْ رَجُلٌ مِنَ الْحَبَشَةِ فَقَتَلَ بِالْيَمَنِ وَأَفْسَدَ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ كِسْرَى بَعَثَ إِلَيْهِمْ وَهْرِزَ فِي أَرْبَعَةِ آلَافِ فَارِسٍ، وَأَمَرَهُ أَلَّا يَتْرُكَ بِالْيَمَنِ أَسْوَدَ وَلَا وَلَدَ عَرَبِيَّةٍ مِنْ أَسْوَدَ إِلَّا قَتَلَهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، وَلَا يَدَعَ رَجُلًا جَعْدًا قَطُّ شَرَكَ فِيهِ السُّودَانُ إِلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute