بَخْتِيَارَ، وَكَاتَبَ عِمْرَانَ بْنَ شَاهِينَ، وَطَلَبَ مُسَاعَدَتَهُ، وَحَذَّرَهُ مَكْرَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَأَجَابَهُ عِمْرَانُ إِلَى مَا الْتَمَسَ.
وَكَانَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ قَدْ ضَمَّنَ سَهْلَ بْنَ بِشْرٍ، وَزِيرَ الْفَتْكِينَ، بَلَدَ الْأَهْوَازِ، وَأَخْرَجَهُ (مِنْ حَبْسِ) بَخْتِيَارَ، فَكَاتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَقِيَّةَ وَاسْتَمَالَهُ، فَأَجَابَهُ، فَلَمَّا عَصَى ابْنُ بَقِيَّةَ أَنْفَذَ إِلَيْهِ عَضُدُ الدَّوْلَةِ جَيْشًا قَوِيًّا، فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ ابْنُ بَقِيَّةَ فِي الْمَاءِ وَمَعَهُ عَسْكَرٌ قَدْ سَيَّرَهُ إِلَيْهِ عِمْرَانُ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ أَقْبَحَ هَزِيمَةٍ، وَكَاتَبَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ بِحَالِهِ حَالَ بَخْتِيَارَ، فَكَتَبَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِ وَإِلَى الْمَرْزُبَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنِ احْتَمَى لِبَخْتِيَارَ، يَأْمُرُهُمْ بِالثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ، وَيُعَرِّفُهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَى الْعِرَاقِ لِإِخْرَاجِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ وَإِعَادَةِ بَخْتِيَارَ.
فَاضْطَرَبَتِ النَّوَاحِي عَلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَتَجَاسَرَ عَلَيْهِ الْأَعْدَاءُ حَيْثُ عَلِمُوا إِنْكَارَ أَبِيهِ عَلَيْهِ، وَانْقَطَعَتْ عَنْهُ مَوَادُّ فَارِسَ وَالْبَحْرِ، وَلَمْ يَبْقَ بِيَدِهِ إِلَّا قَصَبَةُ بَغْدَاذَ، وَطَمِعَ فِيهِ الْعَامَّةُ وَأَشْرَفَ عَلَى مَا يَكْرَهُ، فَرَأَى إِنْفَاذَ أَبِي الْفَتْحِ بْنِ الْعَمِيدِ بِرِسَالَةٍ إِلَى أَبِيهِ يُعَرِّفُهُ مَا جَرَى لَهُ وَمَا فَرَّقَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَضَعُفَ بَخْتِيَارُ عَنْ حِفْظِ الْبِلَادِ، وَإِنْ أُعِيدَ إِلَى حَالِهِ خَرَجَتِ الْمَمْلَكَةُ وَالْخِلَافَةُ عَنْهُمْ، وَكَانَ بَوَارُهُمْ، وَيَسْأَلُ تَرْكَ نُصْرَةِ بَخْتِيَارَ، وَقَالَ لِأَبِي الْفَتْحِ: فَإِنْ أَجَابَ إِلَى مَا تُرِيدُ مِنْهُ، وَإِلَّا فَقُلْ لَهُ: إِنَّنِي أَضْمَنُ مِنْكَ أَعْمَالَ الْعِرَاقِ، وَأَحْمِلُ إِلَيْكَ مِنْهَا كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأَبْعَثُ بَخْتِيَارَ وَأَخَوَيْهِ إِلَيْكَ لِتَجْعَلَهُمْ بِالْخِيَارِ، فَإِنِ اخْتَارُوا أَقَامُوا عَنْكَ، وَإِنِ اخْتَارُوا بَعْضَ بِلَادِ فَارِسَ سَلَّمْتُهُ إِلَيْهِمْ، وَوَسَّعْتَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ أَجَبْتَ أَنْتَ أَنْ تَحْضُرَ فِي الْعِرَاقِ لِتَلِيَ تَدْبِيرَ الْخِلَافَةِ، وَتُنْفِذَ بَخْتِيَارَ إِلَى الرَّيِّ وَأَعُودُ أَنَا إِلَى فَارِسَ فَالْأَمْرُ إِلَيْكَ.
وَقَالَ لِابْنِ الْعَمِيدِ: فَإِنْ أَجَابَ إِلَى مَا ذَكَرْتَ لَهُ، وَإِلَّا فَقُلْ لَهُ: أَيُّهَا السَّيِّدُ الْوَالِدُ، أَنْتَ مَقْبُولُ الْحُكْمِ وَالْقَوْلِ، وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِطْلَاقِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بَعْدَ مُكَاشَفَتِهِمْ، وَإِظْهَارِ الْعَدَاوَةِ، وَسَيُقَاتِلُونَنِي بِغَايَةِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، فَتَنْتَشِرُ الْكَلِمَةُ، وَيَخْتَلِفُ أَهْلُ الْبَيْتِ أَبَدًا، فَإِنْ قَبِلْتَ مَا ذَكَرْتُهُ فَأَنَا الْعَبْدُ الطَّائِعُ، وَإِنْ أَبَيْتَ، وَحَكَمْتَ بِانْصِرَافِي، فَإِنِّي سَأَقْتُلُ بَخْتِيَارَ وَأَخَوَيْهِ، وَأَقْبِضُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَتَّهِمُهُ بِالْمَيْلِ إِلَيْهِمْ وَأَخْرُجُ عَنِ الْعِرَاقِ، وَأَتْرُكُ الْبِلَادَ سَائِبَةً لِيُدَبِّرَهَا مَنِ اتَّفَقْتُ لَهُ.
فَخَافَ ابْنُ الْعَمِيدِ أَنْ يَسِيرَ بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَأَشَارَ أَنْ يَسِيرَ بِهَا غَيْرُهُ، وَيَسِيرَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَكُونُ كَالْمُشِيرِ عَلَى رُكْنِ الدَّوْلَةِ بِإِجَابَتِهِ إِلَى مَا طَلَبَ، فَأَرْسَلَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ رَسُولًا بِهَذِهِ الرِّسَالَةِ، وَسَيَّرَ بَعْدَهُ ابْنَ الْعَمِيدِ عَلَى الْجَمَّازَاتِ، فَلَمَّا حَضَرَ الرَّسُولُ عِنْدَ رُكْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute