الدَّوْلَةِ، وَذَكَرَ بَعْضَ الرِّسَالَةِ، وَثَبَ إِلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ، فَهَرَبَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّهُ بَعْدَ أَنْ سَكَنَ غَضَبُهُ، وَقَالَ: قُلْ لِفُلَانٍ، يَعْنِي عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَسَمَّاهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ، وَشَتَمَهُ، خَرَجْتَ إِلَى نُصْرَةِ ابْنِ أَخِي وَلِلطَّمَعِ فِي مَمْلَكَتِهِ، أَمَا عَرَفْتَ أَنِّي نَصَرْتُ الْحَسَنَ بْنَ الْفَيْرَزَانِ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنِّي، مِرَارًا كَثِيرَةً أُخَاطِرُ فِيهَا بِمُلْكِي وَنَفْسِي، فَإِذَا أَعَدْتُ لَهُ بِلَادَهُ، وَلَمْ أَقْبَلْ مِنْهُ مَا قِيمَتُهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ، وَأَعَدْتُهُ إِلَى أَذْرَبِيجَانَ، وَأَنْفَذْتُ وَزِيرِي وَعَسَاكِرِي فِي نُصْرَتِهِ، وَلَمْ آخُذْ مِنْهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا، كُلُّ ذَلِكَ طَلَبًا لِحُسْنِ الذِّكْرِ، وَمُحَافَظَةً عَلَى الْفُتُوَّةِ، تُرِيدُ أَنْ تَمُنَّ أَنْتَ عَلَيَّ بِدِرْهَمَيْنِ أَنْفَقْتَهُمَا أَنْتَ عَلَيَّ وَعَلَى أَوْلَادِ أَخِي، ثُمَّ تَطْمَعُ فِي مَمَالِكِهِمْ وَتُهَدِّدُنِي بِقَتْلِهِمْ! .
فَعَادَ الرَّسُولُ وَوَصَلَ ابْنُ الْعَمِيدِ، فَحَجَبَهُ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْ حَدِيثَهُ، وَتَهَدَّدَهُ بِالْهَلَاكِ، وَأَنْفَذَ إِلَيْهِ يَقُولُ لَهُ: لَأَتْرُكُنَّكَ وَذَلِكَ الْفَاعِلَ، يَعْنِي عَضُدَ الدَّوْلَةِ، تَجْتَهِدَانِ جُهْدَكُمَا، ثُمَّ لَا أَخْرُجُ إِلَيْكُمَا إِلَّا فِي ثَلَاثِمِائَةِ جَمَّازَةٍ وَعَلَيْهَا الرَّجُلُ، ثُمَّ اثْبُتُوا إِنْ شِئْتُمْ، فَوَاللَّهِ لَا قَاتَلْتُكُمَا إِلَّا بِأَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْكُمَا.
وَكَانَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ يَقُولُ: إِنَّنِي أَرَى أَخِي مُعِزَّ الدَّوْلَةِ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي الْمَنَامِ يَعَضُّ عَلَى أَنَامِلِهِ وَيَقُولُ: يَا أَخِي هَكَذَا ضَمِنْتَ لِي أَنْ تَخْلُفَنِي فِي وَلَدِي. وَكَانَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ يُحِبُّ أَخَاهُ مَحَبَّةً شَدِيدَةً لِأَنَّهُ رَبَّاهُ، فَكَانَ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَلَدِ.
ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ سَعَوْا لِابْنِ الْعَمِيدِ، وَتَوَسَّطُوا الْحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُكْنِ الدَّوْلَةِ، وَقَالُوا: إِنَّمَا تَحَمَّلَ ابْنُ الْعَمِيدِ هَذِهِ الرِّسَالَةَ لِيَجْعَلَهَا طَرِيقًا لِلْخَلَاصِ مِنْ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَالْوُصُولِ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَ بِمَا تَرَاهُ. فَأَذِنَ لَهُ فِي الْحُضُورِ عِنْدَهُ، فَاجْتَمَعَ بِهِ، وَضَمِنَ لَهُ إِعَادَةَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ إِلَى فَارِسَ، وَتَقْرِيرَ بَخْتِيَارَ بِالْعِرَاقِ، فَرَدَّهُ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَعَرَّفَهُ جَلِيَّةَ الْحَالِ.
فَلَمَّا رَأَى عَضُدُ الدَّوْلَةِ انْحِرَافَ الْأُمُورِ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ إِلَى الْمَسِيرِ إِلَى فَارِسَ وَإِعَادَةَ بَخْتِيَارَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَحْبِسِهِ، وَخَلَعَ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ بِالْعِرَاقِ، وَيَخْطُبُ لَهُ، وَيَجْعَلُ أَخَاهُ أَبَا إِسْحَاقَ أَمِيرَ الْجَيْشِ لِضَعْفِ بَخْتِيَارَ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ مَا كَانَ لَهُمْ، وَسَارَ إِلَى فَارِسَ فِي شَوَّالٍ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَأَمَرَ أَبَا الْفَتْحِ بْنَ الْعَمِيدِ، وَزِيرَ أَبِيهِ، أَنْ يَلْحَقَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.
فَلَمَّا سَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ أَقَامَ ابْنُ الْعَمِيدِ عِنْدَ بَخْتِيَارَ مُتَشَاغِلًا بِالذَّاتِ، وَبِمَا هُوَ بَخْتِيَارُ مُغْرًى بِهِ مِنَ اللَّعِبِ، وَاتَّفَقَا بَاطِنًا عَلَى أَنَّهُ إِذَا مَاتَ رُكْنُ الدَّوْلَةِ سَارَ إِلَيْهِ وَوَزَرَ لَهُ، وَاتَّصَلَ ذَلِكَ بِعَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَكَانَ سَبَبَ هَلَاكِ ابْنِ الْعَمِيدِ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute