وَاسْتَقَرَّ بَخْتِيَارُ بِبَغْدَاذَ، وَلَمْ يَقِفْ لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ عَلَى الْعُهُودِ. فَلَمَّا ثَبَتَ أَمْرُ بَخْتِيَارَ أَنْفَذَ ابْنَ بَقِيَّةَ مِنْ خَلْفِهِ لَهُ، وَحَضَرَ عِنْدَهُ، وَأَكَّدَ الْوَحْشَةَ بَيْنَ بَخْتِيَارَ وَعَضُدِ الدَّوْلَةِ، (وَثَارَتِ الْفِتْنَةُ بَعْدَ مَسِيرِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ) ، وَاسْتَمَالَ ابْنُ بَقِيَّةَ الْأَجْنَادَ، وَجَبَى كَثِيرًا مِنَ الْأَمْوَالِ إِلَى خِزَانَتِهِ، وَكَانَ إِذَا طَالَبَهُ بَخْتِيَارُ بِالْمَالِ وَضَعَ الْجُنْدَ عَلَى مُطَالَبَتِهِ، فَثَقُلَ عَلَى بَخْتِيَارٍ فَاسْتَشَارَ فِي مَكْرُوهٍ يُوقِعُهُ بِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ بَقِيَّةَ، فَعَاتَبَ بَخْتِيَارَ عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَهُ وَحَلَفَ لَهُ فَاحْتَرَزَ ابْنُ بَقِيَّةَ مِنْهُ.
ذِكْرُ اضْطِرَابَ كَرْمَانَ عَلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ وَعَوْدِهَا لَهُ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ خَالَفَ أَهْلُ كَرْمَانَ عَلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ.
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْجُرُومِيَّةِ، وَهِيَ الْبِلَادُ، يُقَالُ لَهُ طَاهِرُ بْنُ الصِّمَّةِ، ضَمِنَ مِنْ عَضُدِ الدَّوْلَةِ ضَمَانَاتٍ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ، فَطَمِعَ فِيهَا، وَكَانَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ قَدْ سَارَ إِلَى الْعِرَاقِ، وَسَيَّرَ وَزِيرَهُ الْمُطَهِّرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ إِلَى عُمَانَ لِيَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا، فَخَلَتْ كَرْمَانُ مِنَ الْعَسَاكِرِ، فَجَمَعَ طَاهِرٌ الرِّجَالَ الْجُرُومِيَّةَ وَغَيْرَهُمْ، فَاجْتَمَعَ لَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ.
وَاتُّفِقَ أَنَّ بَعْضَ الْأَتْرَاكِ السَّامَانِيَّةِ، اسْمُهُ يُوزْتَمَرُ، كَانَ قَدْ اسْتَوْحَشَ مِنْ أَبِي الْحَسَنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سِيمْجُورَ، صَاحِبِ جَيْشِ خُرَاسَانَ لِلسَّامَانِيَّةِ، فَكَاتَبَهُ طَاهِرٌ، وَأَطْمَعَهُ فِي أَعْمَالِ كَرْمَانَ، فَسَارَ إِلَيْهِ، وَاتَّفَقَا، وَكَانَ يُوزْتَمَرُ هُوَ الْأَمِيرَ، فَاتُّفِقَ أَنَّ الرِّجَالَ الْجُرُومِيَّةَ شَغَبُوا عَلَى يُوزْتَمَرَ، فَظَنَّ أَنَّ طَاهِرًا وَضَعَهُمْ، فَاخْتَلَفَا وَاقْتَتَلَا، فَظَفِرَ يُوزْتَمَرُ بِطَاهِرٍ وَأَسَرَهُ، وَظَفِرَ بِأَصْحَابِهِ.
وَبَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ إِلْيَاسَ، وَهُوَ بِخُرَاسَانَ، فَطَمِعَ فِي الْبِلَادِ، فَجَمَعَ جَمْعًا وَسَارَ إِلَيْهَا، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ بِهَا جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ. ثُمَّ إِنَّ الْمُطَهِّرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اسْتَوْلَى عَلَى عُمَانَ وَجِبَالِهَا، وَأَوْقَعَ بِالشُّرَاةِ فِيهَا وَعَادَ، فَوَصَلَهُ كِتَابُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ مِنْ بَغْدَاذَ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى كَرْمَانَ، فَسَارَ إِلَيْهَا مُجِدًّا، وَأَوْقَعَ فِي طَرِيقِهِ بِأَهْلِ الْعَيْثِ وَالْفَسَادِ، وَقَتَلَهُمْ وَصَلَبَهُمْ، (وَمَثَّلَ بِهِمْ، وَوَصَلَ إِلَى يُوزْتَمَرَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْهُ، فَاقْتَتَلُوا بِنَوَاحِي مَدِينَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute