للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَتَلَ كَثِيرًا مِنْهُمْ، وَأَبَانَ عَنْ شَجَاعَةٍ، وَقُوَّةِ نَفْسٍ، وَحُسْنِ تَدْبِيرٍ، فَأَذْعَنُوا لَهُ وَأُقْطِعَ الْبِلَادَ، وَكَثُرَ جَمْعُهُ، وَتَوَفَّرَتْ أَمْوَالُهُ، وَثَبَتَ قَدَمُهُ.

وَكَاتَبَ الْمُعِزَّ بِمِصْرَ يُدَارِيهِ، وَيُظْهِرُ لَهُ الِانْقِيَادَ، فَشَكَرَهُ، وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يُحْضِرَهُ عِنْدَهُ لِيَخْلَعَ عَلَيْهِ، وَيُعِيدَهُ وَالِيًا مِنْ جَانِبِهِ، فَلَمْ يَثِقْ بِهِ، وَامْتَنَعَ (مِنَ الْمَسِيرِ) فَتَجَهَّزَ الْمُعِزُّ وَجَمَعَ الْعَسَاكِرَ لِقَصْدِهِ، فَمَرِضَ وَمَاتَ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، وَوُلِّيَ بَعْدَهُ ابْنُهُ الْعَزِيزُ بِاللَّهِ، فَأَمِنَ الْفَتْكِينَ بِمَوْتِهِ جِهَةَ مِصْرَ، فَقَصَدَ بِلَادَ الْعَزِيزِ الَّتِي بِسَاحِلِ الشَّامِ، فَعَمَدَ إِلَى صَيْدَا فَحَصَرَهَا وَبِهَا ابْنُ الشَّيْخِ، وَمَعَهُ رُءُوسُ الْمَغَارِبَةِ، وَمَعَهُمْ ظَالِمُ بْنُ مَوْهُوبٍ الْعُقَيْلِيُّ، فَقَاتَلَهُمْ وَكَانُوا فِي كَثْرَةٍ، فَطَمِعُوا فِيهِ وَخَرَجُوا إِلَيْهِ، فَاسْتَجَرَّهُمْ حَتَّى أُبْعِدُوا، ثُمَّ عَادَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ نَحْوَ أَرْبَعَةِ آلَافِ قَتِيلٍ.

وَطَمِعَ فِي أَخْذِ عَكَّا، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهَا، وَقَصَدَ طَبَرِيَةَ، فِيهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ مِثْلَ صَيْدَا، وَعَادَ إِلَى دِمَشْقَ.

فَلَمَّا سَمِعَ الْعَزِيزُ بِذَلِكَ اسْتَشَارَ وَزِيرَهُ يَعْقُوبَ بْنَ كِلِّسٍ فِيمَا يَفْعَلُ، فَأَشَارَ بِإِرْسَالِ جَوْهَرٍ فِي الْعَسَاكِرِ إِلَى الشَّامِ، فَجَهَّزَهُ وَسَيَّرَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ الْفَتْكِينُ بِمَسِيرِهِ جَمَعَ أَهْلَ دِمَشْقَ وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّنِي مَا وَلِيتُ أَمْرَكُمْ إِلَّا عَنْ رِضًى مِنْكُمْ، وَطَلَبٍ مِنْ كَبِيرِكُمْ وَصَغِيرِكُمْ لِي، وَإِنَّمَا كُنْتُ مُجْتَازًا وَقَدْ أَظَلَّكُمْ هَذَا الْأَمْرُ، وَأَنَا سَائِرٌ عَنْكُمْ لِئَلَّا يَنَالَكُمْ أَذًى بِسَبَبِي. فَقَالُوا: لَا نُمَكِّنُكَ مِنْ فِرَاقِنَا، وَنَحْنُ نَبْذُلُ الْأَنْفُسَ وَالْأَمْوَالَ فِي هَوَاكَ، وَنَنْصُرُكَ، وَنَقُومُ مَعَكَ، فَاسْتَحْلَفَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَحَلَفُوا لَهُ، فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ. فَوَصَلَ جَوْهَرٌ إِلَى الْبَلَدِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَحَصَرَهُ، فَرَأَى مِنْ قِتَالِ الْفَتْكِينِ وَمَنْ مَعَهُ مَا اسْتَعْظَمَهُ، وَدَامَتِ الْحَرْبُ شَهْرَيْنِ، قُتِلَ فِيهَا عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ.

فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ دِمَشْقَ طُولَ مُقَامِ الْمَغَارِبَةِ عَلَيْهِمْ أَشَارُوا عَلَى الْفَتْكِينِ بِمُكَاتَبَةِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَرْمَطِيِّ، وَاسْتِنْجَادِهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَسَارَ الْقَرْمَطِيُّ إِلَيْهِ مِنَ الْأَحْسَاءِ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهُ رَحَلَ جَوْهَرٌ عَنْ دِمَشْقَ، خَوْفًا أَنْ يَبْقَى بَيْنَ عَدُوَّيْنِ، وَكَانَ مُقَامُهُ عَلَيْهَا سَبْعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>