رُسُلُ أَبِي تَغْلِبَ تَسْأَلُهُ أَنْ يَقْبِضَ عَلَى أَخِيهِ حَمْدَانَ وَيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ، وَإِذَا فَعَلَ سَارَ بِنَفْسِهِ وَعَسَاكِرِهِ إِلَيْهِ، وَقَاتَلَ مَعَهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ، وَأَعَادَهُ إِلَى مُلْكِهِ بَغْدَاذَ، فَقَبَضَ بَخْتِيَارُ عَلَى حَمْدَانَ وَسَلَّمَهُ إِلَى نُوَّابِ أَبِي تَغْلِبَ، فَحَبَسَهُ فِي قَلْعَةٍ لَهُ، وَسَارَ بَخْتِيَارُ إِلَى الْحَدِيثَةِ، وَاجْتَمَعَ مَعَ أَبِي تَغْلِبَ، وَسَارَا جَمِيعًا نَحْوَ الْعِرَاقِ، وَكَانَ مَعَ أَبِي تَغْلِبَ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ فَسَارَ عَنْ بَغْدَاذَ نَحْوَهُمَا، فَالْتَقَوْا بِقَصْرِ الْجِصِّ بِنَوَاحِي تَكْرِيتَ ثَامِنَ عَشَرَ شَوَّالٍ، فَهَزَمَهُمَا، وَأَسَرَ بَخْتِيَارَ، وَأُحْضِرَ عِنْدَ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَلَمْ يَأْذَنْ بِإِدْخَالِهِ إِلَيْهِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ، وَذَلِكَ بِمَشُورَةِ أَبِي الْوَفَاءِ طَاهِرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَاسْتَقَرَّ مُلْكُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، (وَكَانَ عُمْرُ بَخْتِيَارَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَشُهُورًا) .
ذِكْرُ اسْتِيلَاءِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ عَلَى مُلْكِ بَنِي حَمْدَانَ
لَمَّا انْهَزَمَ أَبُو تَغْلِبَ وَبَخْتِيَارُ سَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ نَحْوَ الْمَوْصِلِ، فَمَلَكَهَا ثَانِيَ عَشْرَةَ ذِي الْقَعْدَةِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا، وَظَنَّ أَبُو تَغْلِبَ أَنَّهُ كَمَا كَانَ غَيْرُهُ يَفْعَلُ، يُقِيمُ يَسِيرًا، ثُمَّ يَضْطَرُّ إِلَى الْمُصَالَحَةِ، وَيَعُودُ.
وَكَانَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ أَحْزَمَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَصَدَ الْمَوْصِلَ حَمَلَ مَعَهُ الْمِيرَةَ وَالْعُلُوفَاتِ، وَمَنْ يَعْرِفُ وِلَايَةَ الْمَوْصِلِ وَأَعْمَالَهَا، وَأَقَامَ بِالْمَوْصِلِ مُطْمَئِنًّا، وَبَثَّ السَّرَايَا فِي طَلَبِ أَبِي تَغْلِبَ، فَأَرْسَلَ أَبُو تَغْلِبَ يَطْلُبُ أَنْ يَضْمَنَ الْبِلَادَ، فَلَمْ يُجِبْهُ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: هَذِهِ الْبِلَادُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْعِرَاقِ.
وَكَانَ مَعَ أَبِي تَغْلِبَ الْمَرْزُبَانُ بْنُ بَخْتِيَارَ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، وَأَبُو طَاهِرٍ ابْنَا مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَوَالِدَتُهُمَا، وَهِيَ أُمُّ بَخْتِيَارَ، وَأَسْبَابُهُمْ، فَسَارَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى نَصِيبِينَ، فَسَيَّرَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ سَرِيَّةً عَلَيْهَا حَاجِبُهُ أَبُو حَرْبٍ طَغَانُ إِلَى جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَسَيَّرَ فِي طَلَبِ أَبِي تَغْلِبَ سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا أَبَا الْوَفَاءِ طَاهِرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَلَى طَرِيقِ سِنْجَارَ، فَسَارَ أَبُو تَغْلِبَ مُجِدًّا، فَبَلَغَ مَيَّافَارِقِينَ، وَأَقَامَ بِهَا وَمَعَهُ أَهْلُهُ، فَلَمَّا بَلَغَهُ مَسِيرُ أَبِي الْوَفَاءِ إِلَيْهِ سَارَ نَحْوَ بَدْلِيسَ وَمَعَهُ النِّسَاءُ وَغَيْرُهُنَّ مِنْ أَهْلِهِ، وَوَصَلَ أَبُو الْوَفَاءِ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ، فَأُغْلِقَتْ دُونَهُ وَهِيَ حَصِينَةٌ مِنْ حُصُونِ الرُّومِ الْقَدِيمَةِ، وَتَرَكَهَا وَطَلَبَ أَبَا تَغْلِبَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute