(وَكَانَ أَبُو تَغْلِبَ) قَدْ عَدَلَ مِنْ أَرْزَنِ الرُّومِ إِلَى الْحُسَنِيَّةِ مِنْ أَعْمَالِ الْجَزِيرَةِ وَصَعِدَ إِلَى قَلْعَةِ كَوَاشَى وَغَيْرِهَا مِنْ قِلَاعِهِ، وَأَخَذَ مَا لَهُ فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ، وَعَادَ أَبُو الْوَفَاءِ إِلَى مَيَّافَارِقِينَ وَحَصَرَهَا.
وَلَمَّا اتَّصَلَ بِعَضُدِ الدَّوْلَةِ مَجِئُ أَبِي تَغْلِبَ إِلَى قِلَاعِهِ سَارَ إِلَيْهِ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ، وَلَكِنَّهُ اسْتَأْمَنَ إِلَيْهِ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ، وَعَادَ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَسَيَّرَ فِي أَثَرِ أَبِي تَغْلِبَ عَسْكَرًا مَعَ قَائِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ طَغَانُ، فَتَعَسَّفَ أَبُو تَغْلِبَ إِلَى بَدْلِيسَ، وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ أَحَدٌ، فَتَبِعَهُ طُغَانُ، فَهَرَبَ مِنْ بَدْلِيسَ وَقَصَدَ بِلَادَ الرُّومِ لِيَتَّصِلَ بِمَلِكِهِمُ الْمَعْرُوفِ بِوَرْدٍ الرُّومِيِّ، وَلَيْسَ مِنْ بَيْتِ الْمُلْكِ، وَإِنَّمَا تَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ قَهْرًا، (وَاخْتَلَفَ الرُّومُ عَلَيْهِ) ، وَنَصَّبُوا غَيْرَهُ مِنْ أَوْلَادِ مُلُوكِهِمْ، فَطَالَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، فَصَاهَرَ وَرْدٌ هَذَا أَبَا تَغْلِبَ لِيَتَقَوَّى بِهِ فَقُدِّرَ أَنَّ أَبَا تَغْلِبَ احْتَاجَ إِلَى الِاعْتِضَادِ بِهِ.
وَلَمَّا سَارَ أَبُو تَغْلِبَ مِنْ بَدْلِيسَ أَدْرَكَهُ عَسْكَرُ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَهُمْ حَرِيصُونَ عَلَى أَخْذِ مَا مَعَهُ مِنَ الْمَالِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ سَمِعُوا بِكَثْرَتِهِ، فَلَمَّا وَقَعُوا عَلَيْهِ نَادَى أَمِيرُهُمْ: لَا تَتَعَرَّضُوا لِهَذَا الْمَالِ، فَهُوَ لِعَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَفَتُرُوا عَنِ الْقِتَالِ.
فَلَمَّا رَآهُمْ أَبُو تَغْلِبَ فَاتِرِينَ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا، فَقَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً وَنَجَا مِنْهُمْ، فَنَزَلَ بِحِصْنِ زِيَادٍ وَيُعْرَفُ الْآنَ بِخَرْتَبِرْتَ، وَأَرْسَلَ وَرْدٌ الْمَذْكُورُ فَعَرَّفَهُ مَا هُوَ بِصَدَدِهِ مِنِ اجْتِمَاعِ الرُّومِ عَلَيْهِ وَاسْتَمَدَّهُ وَقَالَ: إِذَا فَرَغْتُ عُدْتُ إِلَيْكَ. فَسَيَّرَ إِلَيْهِ أَبُو تَغْلِبَ طَائِفَةً مِنْ عَسْكَرِهِ، فَاتُّفِقَ أَنَّ وَرْدًا انْهَزَمَ، فَلَمَّا عَلِمَ أَبُو تَغْلِبَ بِذَلِكَ يَئِسَ مِنْ نَصْرِهِ، وَعَادَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَنَزَلَ بِآمِدَ، وَأَقَامَ بِهَا شَهْرَيْنِ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَيَّافَارِقِينَ.
ذِكْرُ عِدَّةِ حَوَادِثَ
فِيهَا ظَهَرَ بِإِفْرِيقِيَّةَ فِي السَّمَاءِ حُمْرَةٌ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالشَّمَالِ، مِثْلُ لَهَبِ النَّارِ فَخَرَجَ النَّاسُ يَدْعُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ.
وَكَانَ بِالْمَهْدِيَّةِ زَلَازِلُ وَأَهْوَالٌ أَقَامَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، حَتَّى فَارَقَ أَهْلُهَا مَنَازِلَهُمْ، وَأَسْلَمُوا أَمْتِعَتَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute