للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُ قُدُومِهِ أَنَّ أَرْمَانُوسَ مَلِكَ الرُّومِ لَمَّا تُوُفِّيَ خَلَّفَ وَلَدَيْنِ لَهُ صَغِيرَيْنِ، فَمَلَكَا بَعْدَهُ، وَكَانَ نَفْقُورُ، وَهُوَ حِينَئِذٍ الدُّمُسْتُقُ، قَدْ خَرَجَ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَنَكَى فِيهَا وَعَادَ، فَلَمَّا قَارَبَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ بَلَغَهُ مَوْتُ أَرْمَانُوسَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ الْجُنْدُ وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلنِّيَابَةِ عَنِ الْمَلِكَيْنِ غَيْرُكُ، فَإِنَّهُمَا صَغِيرَانِ، فَامْتَنَعَ، فَأَلَحُّوا عَلَيْهِ فَأَجَابَهُمْ، وَخَدَمَ الْمَلِكَيْنِ، وَتَزَوَّجَ بِوَالِدَتِهِمَا، وَلَبِسَ التَّاجَ.

ثُمَّ إِنَّهُ جَفَا وَالِدَتَهُمَا، فَرَاسَلَتِ ابْنَ الشَّمْشَقِيقِ فِي قَتْلِ نَقْفُورَ وَإِقَامَتِهِ مَقَامَهُ، فَأَجَابَهَا إِلَى ذَلِكَ، وَسَارَ إِلَيْهِ سِرًّا هُوَ وَعَشَرَةُ رِجَالٍ، فَاغْتَالُوا الدُّمُسْتُقَ فَقَتَلُوهُ، وَاسْتَوْلَى ابْنُ الشَّمْشَقِيقِ عَلَى الْأَمْرِ، وَقَبَضَ عَلَى لَاوِنَ أَخِي الدُّمُسْتُقِ، وَعَلَى وَرْدِيسَ بْنِ لَاوِنَ، وَاعْتَقَلَهُ فِي بَعْضِ الْقِلَاعِ، وَسَارَ إِلَى أَعْمَالِ الشَّامِ فَأَوْغَلَ فِيهَا، وَنَالَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَرَادَ، وَبَلَغَ إِلَى طَرَابُلُسَ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ أَهْلُهَا فَحَصَرَهُمْ.

وَكَانَ لِوَالِدَةِ الْمَلِكَيْنِ أَخٌ خَصِيٌّ، وَهُوَ حِينَئِذٍ الْوَزِيرُ، فَوَضَعَ عَلَى ابْنِ الشَّمْشَقِيقِ مَنْ سَقَاهُ سُمًّا، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِ أَسْرَعَ الْعَوْدَ إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَمَاتَ فِي طَرِيقِهِ.

وَكَانَ وَرْدُ بْنُ مُنِيرٍ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الْجُيُوشِ وَعُظَمَاءِ الْبَطَارِقَةِ، فَطَمِعَ فِي الْأَمْرِ، وَكَاتَبَ أَبَا تَغْلِبَ بْنَ حَمْدَانَ وَصَاهَرَهُ، وَاسْتَجَاشَ بِالْمُسْلِمِينَ مِنَ الثُّغُورِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، فَقَصَدَ الرُّومَ، فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ الْمَلِكَانِ جَيْشًا بَعْدَ جَيْشٍ وَهُوَ يَهْزِمُهُمْ، فَقَوِيَ جِنَانُهُ وَعَظُمَ شَأْنُهُ، وَقَصَدَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَخَافَهُ الْمَلِكَانِ، فَأَطْلَقَا وَرْدِيسَ بْنَ لَاوِنَ، وَقَدَّمَاهُ عَلَى الْجُيُوشِ، وَسَيَّرَاهُ لِقِتَالِ وَرْدٍ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا، وَطَالَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ انْهَزَمَ وَرْدٌ إِلَى بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَقَصَدَ دِيَارَ بَكْرٍ، وَنَزَلَ بِظَاهِرِ مَيَّافَارِقِينَ، وَرَاسَلَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ، وَأَنْفَذَ إِلَيْهِ أَخَاهُ يَبْذُلُ الطَّاعَةَ وَالِاسْتِنْصَارَ بِهِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَوَعَدَهُ بِهِ.

ثُمَّ إِنَّ مَلِكَيِ الرُّومِ رَاسَلَا عَضُدَ الدَّوْلَةِ وَاسْتَمَالَاهُ، فَقَوِيَ فِي نَفْسِهِ تَرْجِيحُ جَانِبِ الْمَلِكَيْنِ، وَعَادَ عَنْ نُصْرَةِ وَرْدٍ، وَكَاتَبَ أَبَا عَلِيٍّ التَّمِيمِيَّ، وَهُوَ حِينَئِذٍ يَنُوبُ عَنْهُ بِدِيَارِ بَكْرٍ، بِالْقَبْضِ عَلَى وَرْدٍ وَأَصْحَابِهِ، فَشَرَعَ يُدَبِّرُ الْحِيلَةَ عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعَ إِلَى وَرْدٍ أَصْحَابُهُ وَقَالُوا لَهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>