إِنَّ مُلُوكَ الرُّومِ قَدْ كَاتَبُوا عَضُدَ الدَّوْلَةِ وَرَاسَلُوهُ فِي أَمْرِنَا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُمْ يُرَغِّبُونَهُ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ فَيُسَلِّمُنَا إِلَيْهِمْ، وَالرَّأْيُ أَنْ نَرْجِعَ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ عَلَى صُلْحٍ إِنْ أَمْكَنَنَا، أَوْ عَلَى حَرْبٍ نَبْذُلُ فِيهَا أَنْفُسَنَا، فَإِمَّا ظَفِرْنَا أَوْ مُتْنَا كِرَامًا.
فَقَالَ: مَا هَذَا رَأْيٌ، وَلَا رَأَيْنَا مِنْ عَضُدِ الدَّوْلَةِ إِلَّا الْجَمِيلَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ نَنْصَرِفَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ نَعْلَمَ مَا عِنْدَهُ، فَفَارَقَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَطَمِعَ فِيهِ أَبُو عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ، وَرَاسَلَهُ فِي الِاجْتِمَاعِ، فَأَجَابَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ قَبَضَ عَلَيْهِ، وَعَلَى وَلَدِهِ وَأَخِيهِ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاعْتَقَلَهُمْ بِمَيَّافَارِقِينَ ثُمَّ حَمَلَهُمْ إِلَى بَغْدَاذَ، فَبَقَوْا فِي الْحَبْسِ إِلَى أَنَّ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ، عَلَى مَا نَذْكُرُهُ، وَكَانَ قَبْضُهُ سَنَةَ سَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.
ذِكْرُ عِمَارَةِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ بَغْدَاذَ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ شَرَعَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ فِي عِمَارَةِ بَغْدَاذَ، وَكَانَتْ قَدْ خَرِبَتْ بِتَوَالِي الْفِتَنِ فِيهَا، وَعَمَّرَ مَسَاجِدَهَا وَأَسْوَاقَهَا، وَأَدَرَّ الْأَمْوَالَ عَلَى الْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ، وَالْعُلَمَاءِ، وَالْقُرَّاءِ، وَالْغُرَبَاءِ، وَالضُّعَفَاءِ، الَّذِينَ يَأْوُونَ [إِلَى] الْمَسَاجِدِ، وَأَلْزَمَ أَصْحَابَ الْأَمْلَاكِ الْخَرَابِ بِعِمَارَتِهَا، وَجَدَّدَ مَا دُثِرَ مِنَ الْأَنْهَارِ، وَأَعَادَ حَفْرَهَا وَتَسْوِيَتَهَا، وَأَطْلَقَ مُكُوسَ الْحُجَّاجِ، وَأَصْلَحَ الطَّرِيقَ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى مَكَّةَ، شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَأَطْلَقَ الصِّلَاتِ لِأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ وَالشَّرَفِ، وَالضُّعَفَاءِ الْمُجَاوِرِينَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ بِمَشْهَدَيْ عَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَسَكَّنَ النَّاسَ مِنَ الْفِتَنِ، وَأَجْرَى الْجِرَايَاتِ عَلَى الْفُقَهَاءِ، وَالْمُحَدِّثِينَ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ، وَالْمُفَسِّرِينَ، وَالنُّحَاةِ، وَالشُّعَرَاءِ، وَالنَّسَّابِينَ، وَالْأَطِبَّاءِ، وَالْحُسَّابِ، وَالْمُهَنْدِسِينَ، وَأَذِنَ لِوَزِيرِهِ نَصْرِ بْنِ هَارُونَ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا، فِي عِمَارَةِ الْبِيَعِ وَالدِّيرَةِ، وَإِطْلَاقِ الْأَمْوَالِ لِفُقَرَائِهِمْ.
ذِكْرُ وَفَاةِ حَسْنُوَيْهِ الْكُرْدِيِّ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ حَسْنُوَيْهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْكُرْدِيُّ الْبَرْزِيكَانِيُّ بِسَرْمَاجَ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ مِنَ الْبَرْزِيكَانِ يُسَمَّوْنَ الْبَرْزِينِيَّةَ، وَكَانَ خَالَاهُ وَنْدَادٌ وَغَانِمٌ ابْنَا أَحْمَدَ أَمِيرَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute