صِنْفٍ آخَرَ مِنْهُمْ يُسَمَّوْنَ الْعَيْشَانِيَّةَ، وَغَلَبَا عَلَى أَطْرَافِ نَوَاحِي الدِّينَوَرِ، وَهَمَذَانَ، وَنَهَاوَنْدَ، وَالصَّامَغَانِ، وَبَعْضِ أَطْرَافِ أَذْرَبِيجَانَ إِلَى حَدِّ شَهْرَزُورَ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً.
وَكَانَ يَقُودُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِدَّةَ أُلُوفٍ، فَتُوُفِّيَ غَانِمٌ سَنَةَ خَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، فَكَانَ ابْنُهُ أَبُو سَالِمٍ دَيْسَمُ بْنُ غَانِمٍ مَكَانَهُ بِقَلْعَتِهِ قِسَانٍ، إِلَى أَنْ أَزَالَهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْعَمِيدِ، وَاسْتَصْفَى قِلَاعَهُ الْمُسَمَّاةَ قِسْنَانَ، وَغَانِمَ آبَاذَ وَغَيْرَهُمَا.
وَتُوُفِّيَ وَنْدَادُ بْنُ أَحْمَدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ [وَثَلَاثِمِائَةٍ] ، فَقَامَ مَقَامَهُ ابْنُهُ أَبُو الْغَنَائِمِ عَبْدُ الْوَهَّابِ إِلَى أَنْ أَسَرَهُ الشَّاذَنْخَانُ وَسَلَّمُوهُ إِلَى حَسْنُوَيْهِ، فَأَخَذَ قِلَاعَهُ وَأَمْلَاكَهُ.
وَكَانَ حَسْنُوَيْهِ مَجْدُودًا، حَسَنَ السِّيَاسَةِ وَالسِّيرَةِ، ضَابِطًا لِأَمْرِهِ، وَمَنَعَ أَصْحَابَهُ مِنَ التَّلَصُّصِ، وَبَنَى قَلْعَةَ سِرْمَاجَ بِالصُّخُورِ الْمُهَنْدَمَةِ، وَبَنَى بِالدِّينَوَرِ جَامِعًا عَلَى هَذَا الْبِنَاءِ، وَكَانَ كَثِيرَ الصَّدَقَةِ بِالْحَرَمَيْنِ، إِلَى أَنْ مَاتَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَافْتَرَقَ أَوْلَادُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَبَعْضُهُمُ انْحَازَ إِلَى فَخْرِ الدَّوْلَةِ، وَبَعْضُهُمْ إِلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، وَهُمْ أَبُو الْعَلَاءِ، وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَبُو النَّجْمِ بَدْرٌ، وَعَاصِمٌ، وَأَبُو عَدْنَانَ، وَبَخْتِيَارُ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ.
وَكَانَ بَخْتِيَارُ بِقَلْعَةِ سَرْمَاجَ وَمَعَهُ الْأَمْوَالُ وَالذَّخَائِرُ، فَكَاتَبَ عَضُدَ الدَّوْلَةِ وَرَغِبَ فِي طَاعَتِهِ، ثُمَّ تَلَوَّنَ عَنْهُ وَتَغَيَّرَ، فَسَيَّرَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَيْهِ جَيْشًا فَحَصَرَهُ وَأَخَذَ قَلْعَتَهُ، وَكَذَلِكَ قِلَاعُ غَيْرِهِ مِنْ إِخْوَتِهِ، وَاصْطَنَعَ مِنْ بَيْنِهِمْ أَبَا النَّجْمِ بَدْرَ بْنَ حَسْنُوَيْهِ، وَقَوَّاهُ بِالرِّجَالِ، فَضَبَطَ تِلْكَ النَّوَاحِي، وَكَفَّ عَادِيَّةَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَكْرَادِ، وَاسْتَقَامَ أَمْرُهُ، وَكَانَ عَاقِلًا.
ذِكْرُ قَصْدِ عَضُدِ الدَّوْلَةِ أَخَاهُ فَخْرَ الدَّوْلَةِ وَأَخْذِ بِلَادِهِ
فِي هَذِهِ السَّنَةِ سَارَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ إِلَى بِلَادِ الْجَبَلِ، فَاحْتَوَى عَلَيْهَا.
وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ بَخْتِيَارَ بْنَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ كَانَ يُكَاتِبُ ابْنَ عَمِّهِ فَخْرَ الدَّوْلَةِ، بَعْدَ مَوْتِ رُكْنِ الدَّوْلَةِ، وَيَدْعُوهُ إِلَى الِاتِّفَاقِ مَعَهُ عَلَى عَضُدِ الدَّوْلَةِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَاتَّفَقَا.
وَعَلِمَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ بِهِ، فَكَتَمَ ذَلِكَ إِلَى الْآنَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ أَعْدَائِهِ كَأَبِي تَغْلِبَ، وَبَخْتَيِارَ، وَغَيْرِهِمَا، وَمَاتَ حَسْنُوَيْهِ بْنُ الْحُسَيْنِ، ظَنَّ عَضُدُ الدَّوْلَةِ أَنَّ الْأَمْرَ يُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخَوَيْهِ، فَرَاسَلَ أَخَوَيْهِ فَخْرَ الدَّوْلَةِ، وَمُؤَيَّدَ الدَّوْلَةِ، وَقَابُوسَ بْنَ وَشْمَكِيرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute