حُكِيَ عَنْهُ أَنَّ مُقَدَّمَ جَيْشِهِ أَسْفَارُ بْنُ كَرْدَوَيْهِ شَفَعَ فِي بَعْضِ أَبْنَاءِ الْعُدُولِ لِيَتَقَدَّمَ إِلَى الْقَاضِي لِيَسْمَعَ تَزْكِيَتَهُ وَيَعْدِلَهُ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنْ أَشْغَالِكَ، إِنَّمَا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِكَ الْخِطَابُ فِي زِيَادَةِ قَائِدٍ، وَنَقْلِ مَرْتَبَةِ جُنْدِيٍّ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ وَقَبُولُهَا فَهُوَ إِلَى الْقَاضِي وَلَيْسَ لَنَا وَلَا لَكَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَمَتَى عَرَفَ الْقُضَاةُ مِنْ إِنْسَانٍ مَا يَجُوزُ مَعَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، فَعَلُوا ذَلِكَ بِغَيْرِ شَفَاعَةٍ.
وَكَانَ يُخْرِجُ فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ سَنَةٍ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْأَمْوَالِ لِلصَّدَقَةِ وَالْبِرِّ فِي سَائِرِ بِلَادِهِ، وَيَأْمُرُ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ إِلَى الْقُضَاةِ وَوُجُوهِ النَّاسِ لِيَصْرِفُوهُ إِلَى مُسْتَحِقِّيهِ.
وَكَانَ يُوصِلُ إِلَى الْعُمَّالِ الْمُتَعَطِّلِينَ مَا يَقُومُ بِهِمْ وَيُحَاسِبُهُمْ بِهِ إِذَا عَمِلُوا.
وَكَانَ مُحِبًّا لِلْعُلُومِ وَأَهْلِهَا، مُقَرِّبًا لَهُمْ، مُحْسِنًا إِلَيْهِمْ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَهُمْ يُعَارِضُهُمْ فِي الْمَسَائِلِ، فَقَصَدَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ، وَصَنَّفُوا لَهُ الْكُتُبَ مِنْهَا " الْإِيضَاحُ " فِي النَّحْوِ، وَ " الْحُجَّةُ " فِي الْقِرَاءَاتِ، وَ " الْمَلَكِيُّ " فِي الطِّبِّ، وَ " التَّاجِيُّ " فِي التَّارِيخِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَعَمِلَ الْمَصَالِحَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ كَالْبِيمَارِسْتَانَاتِ وَالْقَنَاطِرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ أَحْدَثَ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ رُسُومًا جَائِرَةً فِي الْمِسَاحَةِ، وَالضَّرَائِبِ عَلَى بَيْعِ الدَّوَابِّ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَمْتِعَةِ، وَزَادَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَمَنَعَ مِنْ عَمَلِ الثَّلْجِ، وَالْقَزِّ، وَجَعَلَهُمَا مَتْجَرًا لِلْخَاصِّ، وَكَانَ يَتَوَصَّلُ إِلَى أَخْذِ الْمَالِ بِكُلِّ طَرِيقٍ.
وَلَمَّا تُوُفِّيَ عَضُدُ الدَّوْلَةِ قَبَضَ عَلَى نَائِبِهِ أَبِي الرَّيَّانِ مِنَ الْغَدِ، فَأُخِذَ مِنْ كُمِّهِ رُقْعَةٌ فِيهَا:
أَيَا وَاثِقًا بِالدَّهْرِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ! ... رُوَيْدَكَ إِنِّي بِالزَّمَانِ أَخُو خُبْرِ
وَيَا شَامِتًا مَهْلًا، فَكَمْ ذِي شَمَاتَةٍ ... تَكُونُ لَهُ الْعُقْبَى بِقَاصِمَةِ الظَّهْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute